لكن تجعل الهمزة بَيْنَ بَيْنَ فإذا لم يجز الحذفُ لم يجز الادغامُ لَحِجْزِ الحرفِ بين المثْلَيْنِ وهذا الذي قاله أبو العباس ظاهرٌ بَيِّنٌ فان قال قائل تحذف الهمزة حذفاً كما حذفتْ من الناس قيل أما الخطأ في التشبيه فحاصل إذ شُبِّهَ بين مختلفين من حيثُ شُبِّهَ فأما هذا الضربُ من الحذف فلا يسُوغُ تَجْوِيزُه حتى يتقدمه سَمّاعٌ ألا ترى أنه لا يجوز حذفُ الهمزة من الإبِاءِ والايِابِ كما جاز في الناس وليس كذلك الحذف فيما كان من الهمزات ما قبله ساكنٌ لان حذفَ ذلك قياسٌ مطرد وأصل مستمرّ فان قال أفليس الهمزةُ قد حذفتْ من قولهم ويْلُمِّه وفي قولهم ناسٌ وفي اسم اللّه عز وجل وكُّل ذلك قد حكاه سيبويه وذهب إلى حذف الهمزة فيه فما أنكرتَ أن يكون حذفُ الهمزة المبتدأة كثيرا يجوز حملُ القياسِ عليه ورَدُّ غيرِه إليه وقد ذهب الخليل إلى حذف الهمزة من لَنْ في قولهم لَنْ أفْعَل وقال هو لا أنْ قيل له ليستْ هذه الحروفُ من الكثرة والسَّعَةِ بحيث يقاس غيرُها عليها إنما هي حروف كثر استعمالها فحذف بَعْضُها وعُوِّضَ من حَذْفِها وليست الهمزةُ في الآية إذا حُذِفَتْ عند الكسائي بمُعَوَّضٍ منها شئٌ يُحْذَفُ منها غيرُها من الكلام للادغام والقياسُ على هذه الحروف لا يوجب حذفَها إذ لا عوَضَ منها كما حُذِفَ من هذه الحروف لَمَّا عُوِّضَ منها فان قلت فانَّ قولَهم ويْلُمِّه حُذِفَ ولم يُعَوَّضْ منه شئٌ فان القياسَ على هذا الفَذِّ الشاذِّ غيرُ سائغ ولا سيما إذا كان في المقيس عليه معنًى أوجبه شئ ليس في المقيس مثلُه وهو كثرةُ الاستعمال ألا ترى أنك تقول لا أَدْرِ ولم أُبَلْ فتَجْذِفُ لكثرة الاستعمال ولا تَقِيسُ عليه غيره إذا كان مُتَعَرِّيًا من المعنَى المُوجِبِ في هذا الحذفِ فلذلك لا تقيس على وَيْلُمِّه ما في الآية من حذف الهمزة إذ لا يخلو الحذفُ فيها من أن يكون لكثرة الاستعمال كما ذكرنا أو لأنها همزةٌ مبتدأةٌ فلو كان الحذفُ لأنها همزة مبتدأة لوجب حذفُ كُلِّ همزةٍ مبتدأةٍ وذلك طاهرٌ الفساد فثبت ما ذكرناه ويفسد حذف هذا من جهة أخرى وهو أنه إذا ساغَ الحذفُ في بعض الأسماء أو الأفعال لكثرة الاستعمال أو الاستثقال أو ضَرْبٍ من الضروب لم يجز حذفُ الحروفِ قياسا عليهما لأنه قَبيلٌ غيرهما ونوعٌ سواهما فحكمُه غيرُ حكمِهما إلا أن الحذفَ لم يجئ في شئ