وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً والاستاذون وأعيان الامراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب ، ثم أفيضت عليَّ خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار أخرى وحمل المال معي الى منزلي ، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي وتهادتني امراء الدولة الى منازلهم للولائم واستحضرني الصالح للمجالسة ونظمني في سلك أهل المؤانسة ، وانثالت عليَّ صلاته وغمرني بّره ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحبّاب والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء وأباً الفتح محمود بن قادوس والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير ، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.
قال الشيخ الاميني : وله مواقف مشكورة تنم عن انه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر يوماً هو والرضي ابو سالم يحيى الاحدب بن ابي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين ايوب بن شادي فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين فقال :
يا مالك الأرض
لا أرضى له طرفا |
|
منها وما كان
منها لم يكن طرفا |
قد عجل الله هذي
الدار تسكنها |
|
وقد أعدَّ لك
الجنّات والغرفا |
تشرفت بك عمن
كان يسكنها |
|
فالبس بها العز
ولتلبس بك الشرفا |
كانوا بها صدفاً
والدار لؤلؤة |
|
وأنت لؤلؤة صارت
لها صدفا |
فقال الفقيه عمارة يرد عليه :
أئمت يا من هجا
السادات والخلفا |
|
وقلت ما قلته في
ثلبهم سخفا |
جعلتهم صدفاً
حلّوا بلؤلؤة |
|
والعرف ما زال
سكنى اللؤلؤ الصدفا |
وانما هي دار
حلَّ جوهرهم |
|
فيها وشف
فأسناها الذي وصفا |