فإن كان الأول فحينئذ يصير معنى الحيز والمكان [والجهة (١)] هو السطح الحاوي ، وهذا رجوع إلى قول [أرسطاطاليس (٢)] واعتراف بأن المكان ليس عبارة عن الفضاء والخلاء. وإن كان الثاني : فحينئذ يلزم نفوذ أحد الجسمين في الآخر ، لكن القول بتداخل الأجسام باطل ، فكان هذا القول باطلا.
وأما القسم الثاني وهو أن يقال : هذا الحيز موجود ، مشار إليه بتبعية الغير. فنقول: لا معنى للعرض إلا ذلك. فلو كان المكان عبارة عنه ، لزم كون المكان عرضا حالا في الجسم. لكن المتمكن حال في المكان ، فيلزم أن يكون ذلك الجوهر وذلك العرض ، يكون كل واحد منهما حالا في الآخر [ومحلا له (٣)] وذلك محال.
وأما القسم الثالث : وهو أن يقال : المكان موجود غير مشار إليه بحسب الحس. فهذا أيضا باطل. لأنا نشير بالحس إلى أن هذا الجسم انتقل من هذا الحيز [إلى الحيز (٤)] الثاني. وذلك يقتضي كون الحيز المنتقل عنه ، والحيز المنتقل إليه أمرا مشارا إليه بالحس ، وذلك يقتضي أن يكون القول بأن المكان موجود ، غير مشار إليه بحسب الحس باطلا. فيثبت بما ذكرنا : أن هذا المكان لو كان موجودا ، لكان إما أن يكون موجودا مشارا إليه بحسب الحس ، وإما أن لا يكون كذلك. وثبت فساد كل واحد من القسمين ، فيلزم القطع بأن المكان [والحيز (٥)] ليس شيئا موجودا في نفسه ، بل أمر يفرضه ويقدره الوهم ، وأن المشار إليه بحسب الحس ليس إلا الجسم. وإذا كان جسم يماس (٦) جسما ، ثم انتقل عنه ، وصار يماس جسما آخر ، فهذا هو المشار إليه بحسب الحس ، وليس هاهنا شيء آخر سواه.
__________________
(١) سقط (ط) ، (س).
(٢) سقط (ط) ، (س).
(٣) من (س).
(٤) من (ط ، س).
(٥) من (ط ، س).
(٦) يباين (م).