السؤال الثالث : لم لا يجوز أن يقال : إنه يحصل الامتياز بسبب الأمور العارضة؟ قوله : «كل عارض يفرض فإن حصوله بالنسبة إلى أحدهما كحصوله بالنسبة إلى الثاني» قلنا : لا نسلم ، وما الدليل على أن الأمر كذلك؟ والذي يؤكد هذا السؤال : أن مذهب الحكماء : أن النفوس الناطقة واحدة بالنوعية وبتمام الماهية. ومذهبهم : أنها باقية بعد المفارقة ، ثم إنهم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا : النفوس الهيولانية العارية عن اكتساب المعارف والأخلاق ، إذا فارقت أبدانها ، فهناك لا امتياز بينها وبين غيرها لا في الماهية ولا في لوازمها ، ولا في عوارضها ، وذلك يوجب زوال (١) المغايرة ثم أجابوا عنه ، فقالوا : إنها بعد أن دخلت في الوجود ، وحصل لكل واحد منها تعين وتشخص ، فذلك التعين حصل له لا لغيره ، فهذا القدر كاف في حصوله الامتياز بينها.
إذا عرفت هذا [فنقول (٢)] : نحن نذكر هاهنا أيضا الفضاء الذي هو المكان ، لا شك أن له تعينا وتشخصا باعتباره كان قابلا لتوارد الأجسام عليه ، وهذه الأجسام التي هي الأشياء القابلة للحركة والسكون لا شك أنه حصلت له تعينات وتشخصات ، باعتبارها ، كانت قابلة للحركة والسكون. وإذا كان كذلك فعند نفود أحدهما في الآخر ، لم لا يجوز أن يقال : إنه بقي مع كل واحد منهما ، [تعينه (٣)] الخاص ، وتشخصه الخاص؟ ثم من المعلوم أن تشخصه لا يصير هو بعينه تشخص غيره ، فهذا القدر كاف في حصول الامتياز والمغايرة بين البعد الذي هو المكان ، وبين البعد الذي هو المتمكن ، وعلى هذا التقدير فإنه يسقط ما ذكروه من الحجة.
السؤال الرابع : هب أن أحد البعدين لم يختص بشيء لأجله يمتاز عن الآخر ، فلم قلتم : إن ذلك يمنع من حصول المغايرة والامتياز؟ وبيانه : وهو أنه لو كان تعين الشيء زائدا عليه ، لكانت التعينات متساوية في هذا المفهوم وهو كونها تعينات ، ثم يمتاز كل فرد منها على الفرد الآخر بأمر آخر زائد على
__________________
(١) تمام (م).
(٢) تمام (م).
(٣) سقط (م).