الأول : إنا ببداهة عقولنا نعلم أن الخط الذي هو محور العالم ، لو خرج من جانبيه إلى ما لا نهاية له ، فإن أحد جانبي ذلك الخط ، مغاير للجانب الآخر منه. ومن أنكر هذا التغاير ، فقد نازع في أقوى البديهيات.
الثاني : إنا لو فرضنا إنسانا واقفا على طرف القطب الشمالي ، فإنه لا بد وأن يميز قدامه عن خلفه. والعلم بهذا الامتياز ضروري.
الثالث : إن النقطة المفروضة في السطح الأعلى من الفلك ، لا شك أنها تكون متحركة [حال استدارة (١)] الفلك ، ولا معنى لتلك الحركة ، إلا أن تلك النقطة انتقلت من حيز إلى حيز [آخر (٢)] وذلك هو المطلوب.
وأما قوله : «إن هذا الحكم عمل الوهم والخيال. وذلك كاذب».
فنقول : هذا الكلام باطل من وجوه :
الأول : وهو أنا نجد الجزم بصحة هذه القضية جزما قاطعا غير قابل للشك والشبهة ، ولا نجد في القلب تفاوتا بين قوة هذه القضية وبين سائر البديهيات. وإذا كان كذلك فنقول : لو جوزنا أن تكون القضية مع هذا القدر من القوة كاذبة فحينئذ يرتفع الأمان عن البديهيات ، ويحتاج في تصحيح ما يصح منها إلى النظر والاستدلال ، لكن الاستدلال موقوف على صحة البديهيات ، فيلزم الدور. وهو فاسد.
والثاني : وهو إنا نجد في فطرة النفس السليمة عن الآفات ، وغريزة القلب المبرأة عن المشوشات : أحكاما يقينية قاطعة ، ثم أنتم تقولون : الحاكم ببعضها هو العقل ، [وهو صادق (٣)] والحاكم [بالبعض الآخر (٤)] هو الوهم وهو كاذب. فعلى هذا التقرير ما لم يعرف الفرق بين العقل وبين الوهم ، وما لم يعرف ثانيا أن هذا الحكم هو حكم العقل لا حكم الوهم ، وما لم يعرف ثالثا
__________________
(١) باستدارة (م).
(٢) من (س ، ط).
(٣) الصادق (س).
(٤) بالبقية (ت ، م).