الحجة الثالثة : على أن العلم بوجود المدة علم بديهي هي : أن نقول : إنا إذا قلنا : إن آدم عليهالسلام كان قبل محمد عليهالسلام. فإنا لا نعقل من هذه القبلية إلا أن بينهما مدة مخصوصة وزمانا مخصوصا. وإذا قلنا : الأخوان التوأمان وجودا معا ، لم نعقل من هذه المعية إلا أنهما حصلا في زمان [واحد (١)] ولو رجعت إلى جميع العقلاء الذين بقوا على فطرتهم الأصلية وسلامة عقولهم [الغريزية (٢)] لم يفهموا من هذه القبلية ولا من هذه المعية إلا ما ذكرناه. فعلمنا : أن العلم بوجود المدة والزمان : علم مقرر في بدائه العقول [وغرائز الأذهان (٣)] فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من هذه المعية والقبلية نفس ذاتيهما؟ قلنا : لأنا جعلنا ذاتيهما ووجوديهما موردا للتقسيم لهذه المعية ولهذه القبلية. ومورد التقسيم لما به حصل ذلك التقسيم ، وذلك معلوم بالضرورة.
الحجة الرابعة : إن كل عاقل يعلم ببديهة عقله أن الجسم [إما أن يكون متحركا ، وإما أن يكون ساكنا ، والمعقول من كونه متحركا (٤)] إنما يكون متحركا إذا حصل في مكان، بعد أن كان حاصلا في غيره ، وهذه البعدية إشارة إلى أن هذا الجسم كان حاصلا في غيره ، ثم حصل في زمان آخر في حيز آخر ، وهذا يدل على أنه لا يمكن تعقل معنى الحركة والتغير إلّا بعد الاعتراف بوجود المدة والزمان. وأما السكون فالمعقول منه هو استمرار الجسم في الحيز الواحد زمانا طويلا. وهذا أيضا إشارة إلى وجود المدة والزمان ، ولما كان العلم بحقيقة الحركة وبحقيقة السكون علما بديهيا أوليا وثبت أن العلم بهما لا يتقرر إلا عند التسليم بوجود المدة والزمان ، وثبت أن الذي يتوقف عليه [التصديق البديهي (٥)] أولى أن يكون أوليا ، ثبت : أن العلم بوجود المدة والزمان علم بديهي.
__________________
(١) سقط (س).
(٢) سقط (ط ، س).
(٣) من (ت).
(٤) سقط (ط ، س).
(٥) من (س ، ط).