وجود ، أن يكون عدما ، فيلزم في الشيء الواحد أن يكون عدما ووجودا ، وهو محال.
ثم نقول : الذي يدل على أن القبلية والبعدية لا يمكن أن يكونا من الأمور الموجودة : وجوه :
الأول : إن صريح العقل يحكم بأن كل محدث ، فإنه مسبوق بعدمه ، وأن عدمه سابق على وجوده. وهذا يقتضي كون القبلية والسبق والتقدم وصفا للعدم ، وما كان وصفا للعدم ، امتنع أن يكون صفة موجودة ، لامتناع قيام الصفة الموجودة بالمعدوم المحض [والنفي الصرف (١)]. فثبت : أن القبلية والبعدية [ليست (٢)] من الصفات الموجودة.
الثاني : لو كانت القبلية صفة موجودة ، لكانت تلك الصفة الموجودة بالنسبة إلى غيرها ، إما أن تكون قبلا أو معا أو بعدا ، ويلزم التسلسل. لا يقال : لم لا يجوز أن تكون القبلية بالنسبة إلى غيرها ، وإن كانت قبلا ، إلا أن كونها كذلك عين ذاته. لا أنه صفة زائدة على الذات؟ لأنا نقول : إذا حكمنا على القبلية بأنها قبل شيء آخر ، فههنا ذات القبلية هي الموضوع. ثم حكمنا عليها بأنها قبل شيء آخر هو [المحمول (٣)] ، ومحمول القضية غير موضوعها لا محالة. فثبت : أن القبلية لو كانت صفة موجودة لكان كونها قبلا بالنسبة إلى غيرها ، يمتنع أن يكون عين ذاتها ، بل لا بد وأن يكون أمرا [مغايرا (٤)] لذاتها.
الثالث : إن القبلية والبعدية إضافتان. وكل واحدة منهما مقولة بالقياس إلى الأخرى وقد ثبت : أن المضافين يوجدان معا في الأعيان وفي الأذهان. فلو كانا موجودين ، لوجب أن يوجدا معا ، ولو وجدا معا ، لحصل معروضاهما
__________________
(١) سقط (ط) ، (س).
(٢) من (ط).
(٣) زيادة.
(٤) من (ط) ، (س).