أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاءت به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف ، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحثّ على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل من ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة ، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق.