ثبتت صحة عدد كبير من الأحاديث والسنن القولية والفعلية مارق أو عدو مغرض يهدف إلى تعطيل مصدر رئيسي من مصادر الشريعة الإسلامية عرف منه كثير مما سكت عنه أو عن تفصيله القرآن سواء في الأمور التعبدية أم في الأمور المدنية. وكل ما يمكن أن يقال هو وجوب التروي والأناة في تلقي السنّة النبوية وحسن تفهمها ودراستها من حيث الرواة والمتون والمطابقة إجمالا مع القرآن وعدم التعارض والتناقض. وقد يكون فيما ورد في كتب الأحاديث المعتبرة منها ولا يتناقض مع صريح القرآن أشياء لا يدركها عقل الإنسان العادي من شؤون الدنيا والآخرة وأحداث الأمم والأنبياء السابقين وما يكون في آخر الزمان ومن الشؤون الغيبية مما سبق التنبيه إليه في مناسبات عديدة. ومثل هذا موجود في القرآن المجيد فلا يجوز للمسلم أن يسارع إلى إنكارها ويجب عليه أن يفوض الأمر في ذلك إلى الله وحكمة الرسول كما هو واجبه بالنسبة لما من مثل ذلك في القرآن مع الاعتقاد بأنه لا بد من أن يكون في ذلك من حكمة ولو لم يستطع لمحها ، هذا مع التنبيه على أن علماء الحديث رحمهمالله قد عرفوا كذب كثير من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ونبهوا عليها كما نبهوا على ما هو ضعيف أو منقطع من الأحاديث أيضا فصار من الممكن للنبهاء وذوي الدارية التعرف عليها والتوقف فيها وعدم الأخذ بها. أما العامة فعليهم أن يسألوا أهل العلم الموثوقين في داريتهم وورعهم ويقفوا عند كلامهم (١).
ومن الجدير بالتنبيه في هذا المقام أن ما هناك من اختلاف بين علماء الحديث والفقه في سنن رسول الله القولية والفعلية الواردة في كتب الأحاديث المعتبرة ليس هو على صحتها وإنما هو على احتمال النسخ فيها وبسبيل ترجيح الأقوى سندا منها والاجتهاد فيما إذا كانت وجوبية أو استحبابية أو عامة أو خاصة إلخ مما لا يتسع المقام لتفصيله.
هذا وهناك مسألة هامة يحسن التنبيه عليها أيضا ، وهي أن معظم الأحاديث
__________________
(١) اقرأ لأجل هذا البحث كتاب قواعد التحديث للقاسمي والسنّة للسباعي.