أولئك قوم قد عجلت طيباتهم في الحياة الدنيا». وحديث عن جابر بن عبد الله قال : إنّ عمر رضي الله عنه رأى لحما معلقا في يدي فقال : ما هذا يا جابر؟ فقلت له : لحم اشتريته. فقال : أو كلما اشتهيت شيئا يا جابر اشتريته؟ أما تخاف هذه الآية : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا). وقد علق البغوي المفسر على ذلك في سياق تفسير الآية قائلا : لما وبّخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا آثر النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه الصالحون اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة ، ثم أخذ يروي بعض أحاديث عن شظف عيش رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ومنها حديث عن عائشة جاء فيه : «ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم» وحديث آخر عنها جاء فيه : «لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وما لنا إلّا الماء والتمر غير أنّ الله جزى نساء من الأنصار خيرا كنّ يهدين إلينا شيئا من اللبن». ومنها حديث عن عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه أنه أتى بطعام وكان صائما فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفّن في بردة إن غطّي بها رأسه بدت قدماه وإن غطّي بها رجلاه بدا رأسه ، وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وأعطينا منها ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
ومما أورده الطبري «أن عمر بن الخطاب قال : لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيباتي». و «أنه لما قدم الشام صنع له طعام لم يصنع مثله فقال : هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ قال خالد بن الوليد : لهم الجنّة ، فاغرورقت عينا عمر وقال : لئن كان حظّنا في الحطام وذهبوا بالجنّة لقد باينونا بعيدا» و «أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل على أهل الصفّة وهي مكان يتجمع فيه فقراء المسلمين وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعا قال : أنتم اليوم خير أو يوم يغدو أحدكم في حلّة ويروح في أخرى ويغدى عليه بجفنة ويراح بأخرى ويستر بيته كما تستر الكعبة. قالوا : نحن يومئذ بخير؟ قال : بل أنتم اليوم خير». و «قال أبو هريرة : إنما كان طعامنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم الأسودين الماء والتمر والله ما كنّا نرى سمراءهم هذه ولا ندري ما هي». ومما