الذي ينزل بالقرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم هو الروح القدس في آية أخرى منها قد استهدفا الرد على المشركين فيما يمكن أن يكونوا قالوا بمناسبة هذا الحادث من أن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما هو متصل بالجنّ أو شياطينهم لا بالله وملائكته على ما كانوا يعتقدونه باتصال شياطين الجنّ بالكهان والسحرة ونوابغ الشعراء. ومما يلحظ أن ذلك وافق آيات سورتي الشعراء [١٩٢ ـ ٢٣٦] والتكوير [١٩ ـ ٢٦] على ما شرحناه في تفسيرهما مما يدل على أن المشركين كانوا يكررون تهمتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم مرة بعد أخرى فيردّ عليهم القرآن بالردود القوية النافذة كما جاء هنا وكما جاء في السورتين المذكورتين.
على أن الآية غدت مستمرة المدى بما كان من السنّة النبوية بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينما كان يقرأ القرآن وبما صار من واجب المسلمين أن يقتدوا به على ما هو ثابت بالتواتر الذي لم ينقطع من لدن النبي صلىاللهعليهوسلم.
ولقد علقنا على موضوع الاستعاذة بالله من الشيطان بصورة عامة ونبهنا على ما تبثه في النفس من سكينة وطمأنينة وأوردنا بعض الأحاديث الواردة في ذلك في سياق تفسير سورة العلق فنكتفي بهذه الإشارة.
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١)) [١٠٦ ـ ١١١]