كل تضحية في سبيل جر الذين ارتبط بهم برابطة الرحم والقبيلة وحياتهم وعزتهم والتضامن معهم. ثم على قصد بيان عظم فضل الله ونعمته بإرسال هاد إليهم منهم يكون فيه مثل هذا الباعث وكون إثم تكذيبهم له أشد واستحقاقهم للعذاب نتيجة لذلك أولى.
وقد لا تخلو الآية التي فيها الجملة على ضوء هذا التوضيح من تلقين مستمر المدى فيما يكون من وقوف الفئات المستكبرة المغرضة من دعاة الإصلاح والقادة المخلصين منهم الذين تكون دعوتهم وقيادتهم مجردة من المآرب وخالصة لوجه الله ومصلحتهم.
ولقد تكررت هذه الجملة في مقامات مماثلة للمقاصد نفسها ، وكان يأتي بدلا منهم (منكم) أو (من أنفسكم) أو من (أنفسهم) كما جاء في آية سورة البقرة هذه : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (١٥١) وآية سورة آل عمران هذه : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١٦٤) ، وآيات سورة التوبة هذه : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩) وآية سورة الجمعة هذه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) حيث يبدو من هذا أن حكمة التنزيل اقتضت تكرار التنبيه والتوكيد على هذا الأمر لما انطوى فيه من مقاصد.
ولقد أورد المفسرون في سياق آيات سورة التوبة كتوضيح لمدى تعبير (من أنفسكم) الذي هو في مقام (منهم) قولا لابن عباس جاء فيه : «إنه ليس من العرب