الناس أفعالهم وكتب على الضالين الضلال وقضى عليهم بالعذاب وليس لأحد أن يسأله عما يبدو في هذا من تناقض أو عدم اتساق مع العدل أو حكمة إرسال الرسل لأن لله مطلق التصرف في خلقه على الوجه الذي تقترن به مشيئته فليس لأحد أن يسأله فيما يقضي ويفعل في خلقه في حين هم مسؤولون أمامه.
والذي يتبادر لنا أن سياق الآيات وروحها لا يتحملان هذا التوسع ولا يستدعيانه فالآية إنما جاءت في معرض تدعيم الردّ على اتخاذ آلهة من دون الله وتزييفه وبيان عجز الآلهة وعدم اتساق تعددها مع المنطق والعقل وتضمنت بيان مطلق تصرف الله في الكون من دون أن يكون لأحد حقّ في سؤاله في حين لو كان له شركاء لكان لهم حقّ في هذا السؤال. ولقد كان المشركون يعتقدون ذلك فيه ويعبدون الشركاء لا على أساس أن لهم حقّ سؤال الله ولكن على أساس أنهم شفعاؤهم لديه فجاءت الحجة ملزمة مفحمة. ومن الحقّ أن تبقى الآية في هذا النطاق. وإذا كان حقا أنه ليس لعبد من عباد الله حقّ في سؤال الله عما يفعل وحكمته فيما يفعل فإن القرآن قد تضمّن آيات كثيرة صريحة تقرر حكمة إرسال الرسل ودعوة الناس وتقرر مسؤولية الناس عن أعمالهم وحرية اختيارهم فيها وترتب ثوابهم وعقابهم وفقا لذلك بل وتقرر أن الله كتب على نفسه وعدا بنصر المرسلين والمؤمنين وكان وعده مفعولا وكان وعده مسؤولا مما مرت منه أمثلة عديدة ؛ بحيث يكون التوسع في تخريج هذه الآية على ذلك النحو مؤديا إلى تناقض يجب تنزيه الله وقرآنه عنه.
(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)) [٢٦ ـ ٢٩]
في الآيات :