وكلمة (الفتح) جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) [٨٩] وآية سورة سبأ هذه (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (٢٦) وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) وآية سورة النساء هذه (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) [١٤١].
ولقد تعددت روايات المفسرين في ما تعنيه الفتح هنا حيث حكت الآية الرابعة تساؤل الكفار عنه بأسلوب السخرية والاستخفاف وحيث أنذرهم القرآن بالذلّ والخزي والعذاب فيه. منها أنه فتح مكة أو نصر بدر. ومنها أنه يوم القيامة. والقول الأخير هو الأوجه على ما تلهم الآية الخامسة التي ردّت عليهم وأنذرتهم بأن إيمانهم يوم الفتح لن يجديهم ولن يكون لهم فيه مهلة أو فرصة أخرى. وهذا إنّما يصدق على يوم القيامة كما هو المتبادر. ولقد جارتهم الآية فنعتت هذا اليوم بيوم الفتح ردا على تحدّيهم واستخفافهم. وهو حقا يوم فتح ونصر على من يبقى كافرا ويموت كافرا.
وأمر النبي بالإعراض عنهم لا يعني أن ينقطع عن إنذارهم وإنما هو أسلوبي بقصد تثبيت النبي وتسليته ودعوته إلى عدم الاغتمام لموقفهم. وقد تكرر في مناسبات مماثلة كثيرة مرّت أمثلة عديدة منها. ولقد كرر المفسرون القول والروايات في سياق الآية الأخيرة بأنها نسخت بآية السيف. ونكرر ما قلناه في المناسبات السابقة المماثلة بأن ذلك وجيه بالنسبة لمن يبقى على كفره وعدائه.