الدنيا. وقد حاول المفسرون الذين رووا القولين الأولين التوفيق بين هذا الرقم وبين ما جاء في سورة السجدة التي مرّ تفسيرها في هذا الجزء فقالوا إن يوم سورة السجدة هو من الأرض الأولى إلى السماء الأولى في حين أن يوم المعارج من تخوم الأرض السابعة إلى ما فوق السماء السابعة.
ولقد أورد ابن كثير بسبيل تأييد كون اليوم هو يوم القيامة حديثا رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال : «قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والذي نفسي بيده إنه ليخفّف على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا». ومع أن المفسر عقّب على هذا الحديث قائلا إن شخصين من رواته ضعيفان فإنه أورد حديثا آخر رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا عن أبي هريرة جاء فيه : «قال النبي صلىاللهعليهوسلم : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنّم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنة وإما إلى النار» (١). هذا في حين أن فحوى الآيات يتّسق مع القولين الأوّلين أكثر وأن المتبادر من هذا الفحوى هو بيان كون المسافات الشاسعة الهائلة التي يستعظمها الناس مثل ما بين الأرضين والسموات ليست شيئا بالنسبة لقدرة الله تعالى. ولسنا نرى تعارضا بين هذا وبين ما جاء في الحديث الصحيح في الوقت نفسه حيث يبدو منه أن القصد هو بيان كون يوم القيامة طويلا جدا على الناس حتى لكأنه خمسون ألف عام مما يعدونه من أيامهم.
ومهما يكن من أمر فالخبر الذي احتوته الجملة القرآنية من المغيبات المتصلة بسرّ الله وملائكته. ومن الواجب الوقوف عنده موقف التصديق دون التخمين مع واجب تنزيه الله تعالى عن المكان والحدود الجسمانية ومع واجب الإيمان بأنه لا
__________________
(١) التاج ج ٢ ص ٦ ، وللحديث تتمة بالنسبة للمواشي التي لا تؤدّى زكاتها.