تعليق على آية
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ...)
وبعض المفسرين يسوقون في صدد الآية الثانية أقوالا واحتمالات لا تخلو من غرابة وتجعلها منفصلة عن سابقتها ولاحقتها بسبب التعبير بالفساد في البحر والبرّ (١). ومن ذلك قتل قابيل أخاه هابيل. واغتصاب الملك السفن في البحر وهو ما حكته إحدى آيات سورة الكهف. وملوحة مياه البحار بعد أن كانت عذبة. وخلو أصداف اللؤلؤ من اللؤلؤ وعدوان الأسد على البقر والغنم بعد قتل هابيل ولم يكن يفعل ذلك إلخ ، غير أن إنعام النظر في الآيات الثلاث يظهر انسجامها مع بعضها انسجاما تاما. ومن المحتمل أن يكون وقع في ظروف نزول السورة أزمات في الأمن وفي الغذاء والأمطار في الحجاز أو في تخومها فكان ذلك مناسبة لتنبيه الناس إلى أنه من تسليط الله عليهم بسبب آثامهم ولحملهم على الارعواء والرجوع إلى الله والحق. وتعبير (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) يرجح أن يكون تعبيرا أسلوبيا يقصد به شيوع الفساد وشموله. وبعد قليل يأتي فصل عن الأمطار وأنهارها وانحباسها وما كان يثير ذلك من جزع وفرح في الناس. فلعل هذا متصل بذلك. حتى ولو لم يصحّ احتمال وقوع شيء فوق العادة فالوقائع المسيئة دائمة في مختلف أنحاء الأرض وأخبارها تصل إلى الحجاز. فالمناسبة قائمة دائما للتنبيه إلى أن ذلك نتيجة لما يقترفه الناس من آثام ليرعووا ويرجعوا إلى الله والحق. ولقد احتوت آيات عديدة مثل هذا التنبيه منها ما سبق مثل آية سورة الشورى هذه (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠).
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
__________________
(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي والخازن.