فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقا. فقال عمر يا رسول الله ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها فقال والذي نفس محمّد بيده ما أنتم أسمع لما أقول منهم» (١). ومنها حديث رواه ابن عبد البرّ عن ابن عباس مرفوعا جاء فيه : «ما من أحد يمرّ بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلّا ردّ الله عليه روحه حتى يردّ عليهالسلام». وحديث رواه ابن أبي الدنيا عن عائشة جاء فيه : «قالت ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلّا استأنس به وردّ عليه حتى يقوم». وهناك أحاديث صحابية في ذلك وفي بعض أحداث ومشاهد من هذا الباب أيضا لم نر ضرورة إلى إيرادها. وواضح أنه يبدو شيء من التعارض بين الجملة المذكورة وهذه الأحاديث ولقد وردت هذه الجملة في سورة النمل أيضا فأوّلها ابن كثير بأن القصد منها إنك لا تسمعهم شيئا يفيدهم. وأوّلناها بمثل ما أوّلناها هنا حيث تراءى لنا أنه الأوجه إن شاء الله.
على أن الذي يتبادر لنا أن الجملة في معنى ومقام غير المعنى والمقام في الأحاديث. وأنها كما قلنا في شرحها هنا في صدد التنديد بالمشركين وتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وفي شرحها في سياق سورة النمل في صدد وصف شدّة مكابرة المشركين وعنادهم بالإضافة إلى تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيته. أما الأحاديث فهل بسبيل بيان كون أرواح الموتى التي لا يعتريها الموت هي التي تسمع ما يخاطب بها الأموات الذين كانت في أجسادهم. ومسألة أرواح الناس في حالتي الحياة والموت من المسائل التي لا يدرك كنهها لأنها من أمر الله فيوقف فيها عند ما يقف القرآن والثابت من الأحاديث النبويّة ويؤمن به. والله أعلم.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)) [٥٤]
في الآية تنبيه وتذكير بأطوار خلق الله للناس. فقد خلقهم ضعفاء أولا وذلك
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧.