قوية مستمرة المدى. فأمور الناس لا يمكن أن تسير على ما يشتهونه دائما. وهم معرضون للمصاعب والمشاقّ والأذى التي من شأنها أن تصهر النفوس وتميّز قويّها من ضعيفها وسليمها من زائفها وصادقها من كاذبها. والحكم على الناس وقيمهم إنما يأتي صائبا بعد مرورهم من الامتحان بالمصائب والمشاقّ والأذى. فمن ثبت وصدق فهو القوي الصادق. ومن وهن وجزع فهو الضعيف الكاذب. والذين يثبتون ويصدقون في مقابلة المصاعب والمشاقّ ويصمدون لها بالتحمّل والصبر ومجاهدة النفس إنما ينفعون أنفسهم في الدرجة الأولى. ولن ينجو من يعمل السوء ولن يضيع عمل من آمن وعمل الصالحات.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)) [٨ ـ ٩]
وفي هاتين الآيتين : إشارة إلى ما أوجب الله على الأبناء من إحسان معاملتهم مع والديهم مع استثناء إطاعتهما في الشرك بالله إذا أمرا به أولادهما مهما جاهداهم وألحّا عليهم في ذلك ، وبيان كون الله هو مرجع الناس جميعا فيفصل بينهم في أعمالهم. وتوكيد كون الله سيدخل المؤمنين الذين يعملون الصالحات في عداد الصالحين من عباده.
ولقد ورد في سورة لقمان مثل الوصية التي احتوتها الآية الأولى كما ورد شيء يقارب في سورة الأحقاف. وقد قال المفسرون (١) إن هاتين الآيتين قد نزلتا أيضا في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأمّه كما قالوا هذا في سياق آيات سورة لقمان بل وفي سياق آيات سورة الأحقاف على ما ذكرناه في سياق السورتين. ومنهم من ذكر أنهما نزلتا في مسلم آخر عصى وهاجر إلى المدينة فأخذ أبواه يلحّان عليه ليرتدّ عن الإسلام ويعود إليهما. ولقد سلكت الآيتان في سلك رواية مدنيّة
__________________
(١) انظر تفسير الآية في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والزمخشري والطبرسي.