ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجّاه الله من النار إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلىاللهعليهوسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل ، وملّته هي ملّة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملّته متّبعة وما في ذلك من نصيب له في أجر المتّبعين. وكل هذا مما تتحمّله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسّر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مرّ تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [٢٧] اقتصرت على القول إن الله وهب إبراهيم إسحق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء في الآية [٧٢] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة (ص) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) عزوا إلى قتادة أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير». وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي : «تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم». وقد أورد ابن كثير هذا النصّ بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر