وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠) ولقد كان من العرب كثيرون يقرأون ويكتبون كما هو ثابت.
وبالرغم من هذه الصراحة فإن كايتاني (١) وغيره من المستشرقين ظلوا يصرون على دعوى أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ ويكتب ومنهم من قال إنه كان يخفي ذلك ويراوغ فيه فلا يثبته ولا ينفيه لأنه يعرف أن منهم من كان يعرفه فيه. ولو تذكروا بأن هذا مما قد يكون وجّه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم مباشرة وأن القرآن قد ردّ عليه وزيّفه علنا وبصراحة قطعية ، وأن أصحابه وأخصاءه كانوا يتلون هذا الردّ الصريح القطعي لوفروا على أنفسهم التعب ولما عرّضوها لتهمة الغرض والعناد بل والوقاحة والكذب. فلا يمكن أن يعلن النبي صلىاللهعليهوسلم بلسان القرآن وبأسلوب قاطع صريح أنه لا يقرأ ولا يكتب لو كان يقرأ ويكتب ، ولا سيما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه. لأنه يثير حالة شكّ هؤلاء في ربانية القرآن وصدق النبي وهذا وذاك من الخطورة بمكان عظيم.
إنه قال : «كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (٢). وقد أوردوا مع هذا الحديث حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ثملة الأنصاري قال : «بينما هو جالس عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاءه رجل من اليهود فقال يا محمّد هل تتكلّم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله : الله أعلم ، قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلّم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذّبوهم وإن كان باطلا لم تصدّقوهم».
__________________
(١) انظر الجزء الأول من كتابه تاريخ الإسلام.
(٢) ورد هذا الحديث في التاج برواية البخاري عن أبي هريرة بفرق يسير وهو (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ...) الآية [البقرة : ١٣٦] ج ٤ ص ٤٣.