وواضح أن الآية متصلة بالسياق. وفيها تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيت ، وقد تكرر معناها لتكرار المواقف والمناسبات.
ولقد روى بعض المفسرين أن أبا جهل سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن ، فقال لقريش : إن محمدا يدعو إلهين يدعو الله ويدعو إلها آخر يسمّى الرّحمن ولا نعرف الرّحمن إلّا رحمن اليمامة فنزلت الآية (١).
ويلحظ أن الجملة جزء من آية متصلة بسياق سابق ولاحق ؛ مما يحمل على التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية.
ولقد روى الطبري عن مجاهد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما كاتب قريشا في الحديبية كتب بسم الله الرّحمن الرّحيم قالوا لا تكتب الرّحمن وما ندري ما الرّحمن لا تكتب إلّا باسمك اللهمّ فأنزل الله الآية حاكية لقولهم منددة بهم. والرواية تقتضي أن تكون الآية مدنيّة مع أن الطابع المكي قوي البروز عليها فضلا عن صلتها الوثيقة بالسياق السابق.
ولقد حكت إحدى آيات سورة الفرقان سؤال المشركين الاستنكاري عن الرّحمن حينما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يدعوهم إلى الله ويصفه بالرحمن : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ ...) [الفرقان : ٦٠] وروى المفسرون رواية مماثلة لهذه الرواية في سياقها (٢). ورووا ذلك أيضا (٣) في سياق آية سورة الإسراء هذه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] على ما ذكرناه في سياق تفسير السورتين حيث يبدو أن المشركين ظلوا يجادلون في اسم الرّحمن بشيء في أذهانهم عنه لا يمكن التأكد منه فاقتضت حكمة التنزيل تكرار توكيد أنه اسم من أسماء الله.
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ
__________________
(١) انظر تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.
(٢) انظر تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.
(٣) انظر تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.