في القرآن من دعوة صادقة وتطابق قوي لما كان عندهم. وهكذا تتوالى شهادات أهل العلم الكتابيين العيانية بصدق الوحي القرآني وأعلام النبوة والرسالة المحمدية والانضواء إليها في العهد المكي الذي كان فيه النبي وأصحابه قلة ضعيفة أمام أكثرية ساحقة قوية كافرة ومناوئة. فيكون في ذلك ردّ مفحم على كلّ مكابرة من الكتابيين على مرّ الدهور.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧)) [٣٧]
(١) حكما : بمعنى محكما أو حكمة.
المتبادر أن هذه الآية استهدفت أيضا التدعيم للرسالة النبوية وتثبيت النبي صلىاللهعليهوسلم في موقفه وأنها هي الأخرى متصلة بالسياق والموقف الجدلي : فكما أنزل الله الكتب على الأنبياء السابقين أنزل عليه القرآن. وقد جعله عربيا محكما حتى يتبين السامعون فحوى الدعوة وحكمة الله وأحكامه ولا يكون عليهم فيها إبهام ولا غموض. وعلى النبي أن يلتزم ذلك وأن لا يحيد عنه بعد ما جاءه من العلم ولا يجاريهم أو يسايرهم في أهوائهم. ولن يكون له من الله إن فعل ناصر ولا واق.
والمتبادر أن الضمير في (أَهْواءَهُمْ) راجع إلى الأحزاب. وأن جملة (حُكْماً عَرَبِيًّا) قرينة على أن المقصود هم أحزاب العرب. وأنه ينطوي في كلمة (أَهْواءَهُمْ) تقاليد العرب المشركين المتنوعة أو رغباتهم أو أهواؤهم.
ولقد حكت آيات أخرى في سور سابقة مثل سورتي القلم والإسراء أن المشركين كانوا يودون أن يداهنهم النبي ويلاينهم ويسايرهم في بعض تقاليدهم. فمن المحتمل أن يكونوا قد عادوا إلى محاولاتهم. وأن يكون التحذير متصلا بذلك على سبيل التنبيه والتثبيت.