ولقد روى البغوي بطرقه في سياق جملة (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) حديثا عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤) وأول من يكنى يوم القيامة إبراهيم وإنّ ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لما يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم» (١). وحديثا آخر عن عائشة قالت : «قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة؟ قال : عراة حفاة. قالت : قلت والنساء؟ قال : والنساء. قالت : قلت يا رسول الله أنستحي؟ قال : يا عائشة الأمر أشدّ من ذلك أن يهمّهم أن ينظر بعضهم إلى بعض» (٢).
والإيمان بما صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المشاهد الأخروية واجب مع الإيمان. فإنه لا بدّ من أن لذلك من حكمة. والترهيب والإنذار من الحكمة الملموحة في الحديثين مما فيه تساوق مع الهدف لذلك من حكمة. وقد يكون الإنذار والترهيب المنطويان في الحديثين من هذه الحكمة وفي ذلك تساوق مع الهدف القرآني أيضا. وقد يصح أن يقال إلى هذا استلهاما من روح الآيات ومقامها وسياقها أنه قد يكون انطوى فيها قصد تقرير كون الناس يحشرون مجردين من كل ما كانوا يعتزون به في الدنيا من مال وبنين وأنصار ليتحملوا بأنفسهم مسؤولية أعمالهم الإجرامية. بل ولعل هذا هو المقصود الجوهري من العبارة القرآنية في مقامها وسياقها وليس بين هذا وبين الحديثين تعارض كما هو واضح.
وكتب أعمال الناس ذكرت مرارا في السور السابقة وشرحنا موضوعها وعلقنا عليه في سياق سورة (ق) بخاصة بما يغني عن التكرار ، والعبارة هنا بسبيل تصوير
__________________
(١) آيات سورة المائدة [١١٧ ـ ١١٨] روى هذا الحديث الشيخان والترمذي أيضا انظر التاج ج ٥ ص ٣٣١.
(٢) وهذا الحديث أيضا رواه الشيخان والترمذي انظر المصدر نفسه.