موعد معين في علمه لن يجد الذين يصرون على ذلك الموقف من عذاب الله فيه موئلا ومهربا. ولو لا صفات الله تلك وحكمته هذه لعجّل لهم العذاب.
٦ ـ وتدليلا على ذلك بما كان من شأن الأمم السابقة : فقد ظلمت وانحرفت فأهلكها الله في الموعد الذي عينه لها.
وواضح أن الآيات استمرار للسياق أيضا ، وقد وجهت إلى العقول والقلوب معا بأسلوب قوي نافذ. وتعبير (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) هو تعبير أسلوبي سبق أمثاله في سورة (يس) وغيرها بقصد بيان شدة تعامي الكفار وتصاممهم عن الحق ، وأوّلناه بما أوّلناه لأن ذلك مما تلهمه الآيات سواء في تنديدها وتقريعها أم في إنذارها. كما أنه هو المتسق مع التقريرات القرآنية العامة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة عدا أنه فيما هو المتبادر تسجيل لواقع أمرهم حين نزول الآية بدليل أن قلوب معظمهم تفتحت فيما بعد فاهتدوا وآمنوا. وهذا يقال أيضا بالنسبة للآية : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (٥٥).
والمتبادر أن جملة (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) هي بسبيل التنديد بخلق المجادلة والمماراة الذي يكون في كثير من الناس وبخاصة الذي لا يكون من أجل الحق وإنما من أجل الباطل. وهو ما ذكر في آية أخرى من الآيات نفسها. وينطوي في ذلك تلقين مستمر المدى بتقبيح ذلك كما هو المتبادر.
ولقد أثرت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث متساوقة مع هذا التلقين أوردنا بعضها في سياق تفسير الآية [٥٨] من سورة الزخرف لأنها متناسبة معها. وهذه بعض أحاديث أخرى مطلقة المدى تتناسب مع الجملة التي نحن في صددها ، من ذلك حديث رواه الشيخان والنسائي عن عائشة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم» (١). وحديث رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من ترك الكذب
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ٦٣.