صالح وأصحابه يهتدون إلى العمل. وكان زاذانفروخ وكتّابه يعملون الحساب بالفارسية ، فشكا صالح ذلك إلى الحجاج وعرّفه أنه في غير شيء مع زاذانفروخ. فأمر الحجاج زاذانفروخ أن يتجشم له نقل الدواوين من اللسان الفارسي إلى اللسان العربي ، ففعل ذلك وميّز النواحي وكوّر الكور. فرسم طساسيج السواد. فكان ما رسم من ذلك أن جعل السواد عشر كور. كل كورة استان وطساسيجه ستون طسوجا. وقد ذكرنا ذلك في موضعه. فلما فعل هذا ونقله إلى العربية ، تصرف صالح وأصحابه فيه ووقفوا عليه.
وكان بناحية كسكر مدينة عظيمة كثيرة الأهل ، فخرج أهلها في الزمن الأول حذرا من الطاعون إلى بعض المواضع ، فهلكوا كلهم وخربت وبقي فيها بيت أصنامهم ، فبنته النصارى عمرا وسمته بنينس. ورسوم هذه المدينة وآثار سورها ثابت إلى اليوم ولم يدرس.
ومن ذلك خسرو شابور وساباط بناهما شابور.
ومن ذلك شهراباد وهي مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام. وكانت مدينة عظيمة جليلة القدر راكبة البحر. فنضب البحر عنها وانحبس ماؤه ، فبطلت. وموضع مجراه وسمته معروف إلى اليوم.
قال : وكانت بالقرب منها أيضا مدينة كبيرة جليلة تسمى شالها. فخربتها إياد لأنها كانت تغير عليها. ويقال إن إيادا وغيرهم من العرب غلبوا عليها وملكوها في أيام سابور وخلعوا [٨٣ ب] طاعته ونابذوه الحرب ، وانتصروا بملك الروم وأطمعوه في مملكة فارس فأمدّهم بمراكب في البحر فيها مقاتلة ، واتصل الخبر بسابور فرحل إليها وأقام عليها حتى فتحها فقتل فيها مائتي ألف رجل وأخربها وجمع النساء والذراري والمشايخ فأسكنهم مدينة بناها يقال لها الهفّة ونهى الرعية عن مخالطتهم ومناكحتهم. وتقدم أن لا تدخل العرب من البدو إلى الحضر فمن دخل بغير جواز قتل.
قال : وكل من سخط عليه ملوك فارس نفته إلى هذه المدينة ووسمتها بالنفي