هذه التلول والخرابات ، ولا يدرى أي شيء أمرها. فتركته ومضيت. وعبرت خمسمائة عام ، ثم مررت بها [١٠٩ ب] فإذا موضعها بحر وقد زالت تلك التلول والخرابات فصارت كلها فيه. وإذا بجماعة يغوصون فيخرجون اللؤلؤ من قراره. فدنوت من بعضهم وقلت : مذ كم صار هذا البحر هاهنا؟ فضحك ثم قال : سبحان الله. ما زال هذا البحر وهذا المكان منذ كانت الدنيا. فمضيت وغبت خمسمائة عام ثم اجتزت بالموضع فإذا ذاك البحر قد غاض ماؤه وفي مكانه غيضه ملتفة بالقصب والبردي وبين ذلك القصب والبردي مناقع ماء فيها سمك كثير وصيادون يصيدون ذلك السمك في زواريق صغار. فقلت لبعضهم : أكان هاهنا بحر؟ قال : لا. ما كان هاهنا إلّا هذه الآجام وهذه المياه لا غير ذلك. فانصرفت. وعبرت خمسمائة عام ثم اجتزت بالمكان فإذا رمال متصلة بينها حمى. وإذا [هي] أكثر بلاد الله ظباء. فالتمست أن أرى إنسانا ، فلم أر إلّا رجلا يصيد تلك الظباء بحبالة له. فدنوت منه وسألته عن تلك الآجام ، فقال : والله ما نعرف ولا آباؤنا وأجدادنا هذا البلد إلّا على ما تراه ، وما كانت فيه أجمة ولا شجر ومستنقع قط. فانصرفت متعجبا. وعبرت خمسمائة عام ثم اجتزت به فإذا هو جبل وعر وفيه كهوف يخرج منه الدخان. فلم أر أحدا أسأله عنها إلى أن رأيت رجلا متعسفا فقصدته وسألته عن تلك الرمال فقال : ما نعرف الموضع إلّا على ما ترى. فتركته ومضيت. وغبت خمسمائة عام ثم عدت فإذا مدينتك هذه في تلك المواضع. وإذا هي أحسن ما يراه الناس من قصورها ودورها وحدائقها وأسواقها. فدنوت من بعض البوابين وسألته عنها ومذ كم بنيت فقال : يا هذا! ما نعرف هذه المدينة إلّا كما تراها ، ولا حدّثنا أحد من أولينا أنه يعرف ما فيها. فهذا أعجب شيء رأيته فيما أطوفه من البلدان وأخترقه من المفاوز والقفار.
فوثب الملك عن سريره فسجد للخضر. فقال له : ارفع رأسك واسجد للذي خلقني وخلقك. فقال : أريد أن أصحبك وأخلي ما أنا فيه من الملك. فقال : لا تقدر على ذلك. لأني اليوم هاهنا وغدا ببيت المقدس وبعد غد بمكة. ولكن إن أردت العبادة فاصحب هذا الفتى وكن معه.