ثمّ (قالَ) موسى : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) : يعني قتله القبطيّ ، ولم يتعمّد قتله ، ولكنّه تعمّد وكزه فمات (فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٦).
(قالَ) موسى : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) : أي عوينا (لِلْمُجْرِمِينَ) (١٧) : أي للمشركين. وقال بعضهم : أي فلن أعين بعدها على فجرة ؛ وقلّ ما قالها رجل قطّ إلّا ابتلي.
قوله : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) : أي من قتله النفس (يَتَرَقَّبُ) : أي أن يؤخذ.
ذكر عن الحسن عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال : البلاء موكّل بالنطق (١).
قوله : (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) : أي يستغيثه ، ويستنصره ويستصرخه واحد. (قالَ لَهُ مُوسى) : أي للإسرائيليّ (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) (١٨) : أي بيّن الغواية.
ثمّ أدركت موسى الرقّة عليه (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) : أي بالقبطيّ (قالَ) الإسرائيليّ. [قال بعضهم] (٢) : وبلغنا أنّه السامريّ ، فخلى السامريّ عن القبطيّ وقال : (يا مُوسى) الإسرائيليّ يقوله : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) : يعني قتالا في الأرض (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (١٩) (٣).
قوله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
__________________
(١) كذا في ب وع : «بالنطق» ، وفي سع وسح : «موكل بالقول».
(٢) زيادة من سع لا بدّ من إثباتها ، والقول ليحيى بن سلّام.
(٣) جاءت عبارة الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٠٤ أوضح وأدلّ على المعنى المقصود. قال : «... وذلك أنّ الذي من شيعته لقيه رجل بعد قتله الأوّل فتسخّر الذي من شيعته موسى ، فمرّ به موسى على تلك الحال فاستصرخه ـ يعني استغاثه ـ فقال له موسى : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي : قد قتلت بالأمس رجلا فتدعوني إلى آخر. وأقبل إليهما ، فظنّ الذي من شيعته أنّه يريده. فقال : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) ولم يكن فرعون علم من قتل القبطيّ الأوّل. فترك القبطيّ الثاني صاحب موسى من يده ، واخبر بأنّ موسى القاتل. فذلك قول ابن عبّاس : فابتلي بأنّ صاحبه الذي دلّ عليه».