لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (٢٠) : وذلك أنّ القبطيّ الآخر لّما سمع قول الإسرائيليّ لموسى : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) أفشى عليه. فأتمر الملأ من قوم فرعون أن يقتلوه. فبلغ ذلك مؤمن آل فرعون ، فجاء من أقصى المدينة يسعى. وهو الذي قال الله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ).
قال الله : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) : أي من المدينة خائفا من قتله النفس ، يترقّب الطلب (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١).
قوله : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) : أي نحو مدين (١) (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٢٢) : أي أن يرشدني سواء السبيل ، أي : قصد الطريق. وكان خرج لا يدري أين يذهب ، ولا يهتدي طريق مدين ، فقال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) أي : الطريق إلى مدين.
قوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) : أي جماعة من الناس (يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) : أي الناس عن شائهما ؛ وفي بعض القراءة : (تذودان النّاس عن شائهما) ، أي : حابستين شاءهما لذودان الناس عنهما. وقال بعضهم : تمنعان غنمهما أن تختلط بأغنام الناس (٢).
(قالَ) لهما موسى : (ما خَطْبُكُما) : أي ما أمركما (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) : أي حتّى يسقي الناس ثمّ نبتغي فضالتهم في تفسير الحسن (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (٢٣).
__________________
(١) «بلد بالشام تلقاء غزّة». وقيل : «مدينة على بحر القلزم محاذية لتبوك». وهو أيضا اسم لقبيلة قوم شعيب ، انظر ياقوت ، معجم البلدان ، ج ٥ ص ٧٧ ـ ٧٨ ، وانظر البكري : معجم ما استعجم ، ج ٢ ص ١٢٠١.
(٢) أصل معنى الذود ، أو الذياد ، هو الطرد والدفع ، وقد عبّر كلّ من أبي عبيدة والفرّاء عن المعنيين اللذين أشار إليهما المؤلّف هنا. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٠١ : (تَذُودانِ) مجازه : تمنعان وتردّان وتطردان». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٠٥ : «تحبسان غنمهما. ولا يجوز أن تقول : ذدت الرجل : حبسته. وإنّما كان الذياد حبسا للغنم ، وإنّ الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذود ، وهو الحبس». وفي قراءة عبد الله : (ودونهم امرأتان حابستان).