ذكر مجاهد قال : وجد عند المقام كتاب الله فيه : إنّي أنا الله ذو بكّة ، صنعتها (١) يوم خلقت السماوات والأرض والشمس والقمر ، وحرّمتها يوم خلقت السماوات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، يأتيها رزقها من ثلاث سبل ، مبارك لأهلها في الماء واللحم ، وأوّل من يحلّها أهلها.
قال : (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) أي : من عندنا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي : جماعتهم لا يعلمون ، يعني من لا يؤمن منهم.
قوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) : كقوله : (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) [النحل : ١١٢] أي : فأهلكناهم ، يعني من أهلك من القرون الأولى. (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (٥٨) : كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠].
قال : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) : أي معذّبهم ، يعني هذه الأمّة (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) : وأمّها : مكّة ، هي أمّ القرى. والرسول : محمّد. قال : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٥٩) : وقال في آية أخرى مدنيّة في النحل (٢) بعد هذه الآية : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً) والرغد ألّا يحاسبها أحد بما رزقها الله (مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) أي : كفر أهلها ، وهي مكّة (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) محمّد (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (١١٣) [النحل : ١١٢ ـ ١١٣] أي : وهم مشركون.
قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) : أي الجنّة. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٠) : يقوله للمشركين.
ثمّ قال على الاستفهام : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) : أي الجنّة (فَهُوَ لاقِيهِ) : أي داخل الجنّة (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٦١) : أي
__________________
(١) كذا في ب وع : «صنعتها» ، وفي سع وسح : «صغتها».
(٢) الحقّ أنّ سورة النحل كلّها مكّيّة إلّا الآيات الثلاث الأخيرة منها.