قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١) : أي لا يرجعون إلى الدنيا. يعني من أهلك من الأمم السالفة حين كذّبوا رسلهم. يقول هذا لمشركي العرب. يقول : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ، يحذّرهم أن ينزل بهم ما نزل بهم. قال : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (٣٢) (١) : أي : يوم القيامة ، يعني : الماضين والباقين.
قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) : أي المجدبة (أَحْيَيْناها) : أي بالنبات يعني بالميتة الأرض اليابسة التي ليس فيها نبات. فالذي أحياها بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى. قال : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) : أي ولم تعمله أيديهم ، ونحن أنبتنا ما فيها وفجّرنا فيها من العيون (٢). (أَفَلا يَشْكُرُونَ) (٣٥).
قوله : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) : يعني الأصناف كلّها (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) : أي الذكر والأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (٣٦) : أي ممّا خلق في البرّ والبحر من صغير وكبير. وهو كقوله : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨) [النحل : ٨].
قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) : أي نذهب منه النهار (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) (٣٧).
قال : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) : أي لا تجاوزه. وهذا أبعد منازلها ، ثمّ ترجع إلى
__________________
ـ بعضهم : (يا حسرة العباد) والمعنى في العربيّة واحد ؛ والله أعلم. والعرب إذا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النصب يقولون : يا رجلا كريما أقبل ، ويا راكبا على البعير أقبل وإذا أفردوا رفعوا أكثر ممّا ينصبون».
(١) وقال الفرّاء في ص ٣٧٦ ـ ٣٧٧ : «وقوله : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قوم كثير منهم من قرّاء أهل المدينة ، وبلغني أنّ عليّا خفّفها. وهو الوجه ؛ لأنّها (ما) أدخلت عليها لام تكون جوابا لإن ، كأنّك قلت : وإن كلّ لجميع لدينا محضرون ، ولم يثقّلها من ثقّلها إلّا عن صواب ...».
(٢) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص ٣٦٥ : «أي : وليأكلوا ممّا عملته أيديهم». وزاد الطبريّ وجها آخر لإعراب (ما) فقال في تفسيره ، ج ٢٣ ص ٤ : «ولو قيل : (ما) بمعنى المصدر كان مذهبا ، فيكون معنى الكلام : ومن عمل أيديهم. ولو قيل : إنّها بمعنى الجحد ، ولا موضع لها ، كان أيضا مذهبا ، فيكون معنى الكلام : ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم». وهذا الوجه الأخير هو الذي أورده المؤلّف هنا ، وهو أولى بالاعتبار حتّى يستشعر الإنسان سبوغ نعم الله عليه فيقابل ذلك بالشكر والحمد.