قال : (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (٥٧) : أي ما يشتهون. يكون في في أحدهم الطعام فيخطر على باله طعام آخر فيتحوّل ذلك الطعام في فيه على ما اشتهى. ويأكل من ناحية من البسرة بسرا ، ثمّ يأكل من ناحية أخرى عنبا إلى عشرة ألوان أو ما شاء الله من ذلك. ويصفّ الطير بين يديه ، فإذا اشتهى الطائر منها اضطرب ثمّ صار بين يديه نضيجا ، نصفه شواء ونصفه قدير ، وكلّ ما اشتهت أنفسهم وجدوه ، كقوله : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) [الزخرف : ٧١] (١).
قوله عزوجل : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٥٨) : قال بعضهم : يأتي الملك من عند الله إلى أحدهم فلا يدخل عليه حتّى يستأذن عليه ، يطلب الإذن من البوّاب الأوّل فيذكره للبوّاب الثاني ، ثمّ كذلك حتّى ينتهي إلى البوّاب الذي يليه ، فيقول له البوّاب : ملك على الباب يستأذن ، فيقول : ائذن له ؛ فيدخل بثلاثة أشياء : بالسلام من الله ، وبالتحفة والهدية ، وبأنّ الله عنه راض. وهو قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (٢٠) [الإنسان : ٢٠].
قوله : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (٥٩) : أي المشركون والمنافقون ، أي : تمايزوا عن أهل الجنّة إلى النار. وقال بعضهم : عزلوا عن كلّ خير.
قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) : أي إنّهم عبدوا الأوثان بما وسوس إليهم الشيطان ، فأمرهم بعبادتهم ، فإنّما عبدوا الشيطان. قال : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٦٠).
قال : (وَأَنِ اعْبُدُونِي) : أي لا تشركوا بي شيئا (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٦١) : أي هذا دين مستقيم. والصراط الطريق السهل إلى الجنّة.
قال : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) : أي خلقا كثيرا ، أضلّ من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. قال : (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٦٢). وأخبر عنهم فقال في آية أخرى : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١٠) أي : لو كنّا نسمع أو نعقل لآمنّا في الدنيا فلم نكن من أصحاب السعير. قال الله : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١١) [الملك : ١٠ ـ ١١].
__________________
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٦٤ : (ما يَدَّعُونَ) أي : ما يتمنّون. تقول العرب : ادّع عليّ ما شئت. أي : تمنّ عليّ ما شئت».