بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، الحمد لله الذي أنزل القرآن كتابا جامعا ، وبرهانا قاطعا ، ودليلا متينا ، ونورا مبينا ، لا يأتي على فضله العد ، ولا يخلق على كثرة الرد ، من تمسك به نجا ، ومن أعرض عنه أصبح صدره ضيقا حرجا ، فيه لكل شيء تبيان ، وبين كل حق وباطل فصل وقرآن ، عرف ذلك من استوى على متن تياره في فلك النظر ، وغاص في لجج بحاره فاستخرج يتائم الدرر ، فهو مادة لعلوم المعقول والمنقول ، وينبوع لفنون الفروع والأصول. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تكشف عن قائلها شبه المطالب ، وتوضح له بعين اليقين كل ما هو له طالب ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الأعاجم والأعارب ، المنعوت في كتب الأولين بأنه الخاتم العاقب ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذوي الأحساب والمناقب ما ظهر فلك في المشارق والمغارب.
أما بعد ..
فهذا إن شاء الله عزوجل إملاء ، سميناه ب «الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية» ، ولا بد قبل الخوض في مقاصده من تقرير مقدمة ، هي له كالأصول ، تشتمل على فصول :
الفصل الأول : في شرح اسم هذا الكتاب ، ويتم ذلك ببيان معنى الإشارات الإلهية ، والمباحث الأصولية.
أما الإشارات فهي جمع إشارة ، هي الإيماء بفعل أو قول إلى أمر.
فالإيماء بالفعل كالرمز والغمز بعين أو حاجب ، ومن ذلك خائنة الأعين (١) والإشارة باليد ونحوه ، قال سحيم :
أشارت بمدراها وقالت لتربها |
|
أعبد بني الحسحاس يزجي القوافيا |
والإيماء بالقول هو التنبيه بالقول الوجيز على المعنى البسيط ، كقوله عزوجل :
(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (٧٨) [طه : ٧٨].
(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١٠) [النجم : ١٠].
__________________
(١) خائنة الأعين : ما تسارق من النظر إلى ما لا يحل ، انظر اللسان [١٣ / ١٤٥].