(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٠٨) [النحل : ١٠٨] يحتج بها الجمهور كما سبق أول البقرة.
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١) [النحل : ١١١] إن قيل : هذا يوجب أن يكون لكل نفس نفس ؛ فيلزم التسلسل ، قيل : ليس كذلك بل النفس لفظ مشترك بين الهيكل الجسماني ذي الروح ، والجوهر البسيط المستوكر له المسمى نفسا ؛ فالهيكل نفس تجادل عن الجوهر ، الذي هو نفس ، ومجادلتها محاجتها عن نفسها بما ترجو أن يخلصها.
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤) [النحل : ١١٤] أي توحدونه بالعبادة ، وهي تدل على أن شكر النعمة من التوحيد ؛ لأنه يضيف النعمة إلى الله ـ عزوجل ـ وحده كما توجه العبادة إليه وحده ، (وَهَداهُ إِلى)
(صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل : ١٢١] ، لعله إشارة إلى هدايته للنظر والاستدلال بأفول الكواكب على وجود الصانع ، ثم إلى طمأنينة القلب برأي العيان ، وحينئذ فيه إشارة إلى أن طريق النظر والاستدلال صراط مستقيم ، وأنه يرجى إيصاله إلى مقام العيان ؛ لأن النفس إذا استعدت لقبول العيان ، بالعلوم النظرية صارت كسراج فيه ذبالة مرواة بالزيت ، فإذا أشرقت عليها أنوار المعرفة أوقدتها فعادت كمشكاة / [١٢٢ أ / م] فيها مصباح.
(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٣) [النحل : ١٢٣] يحتج بها من رأى أنه صلىاللهعليهوسلم كان قبل النبوة غير متعبد بشريعة أحد ؛ إذ لو تعبد بشريعة أحد ، لكان أولى ما تعبد به شريعة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لأنها اختيرت له بعد النبوة ، ثم لو كان متعبدا بها قبل النبوة ؛ لكان مستصحبا لها إلى ما بعدها ، فلم يحتج إلى تجديد الأمر باتباعها ، وقد اختلف في هذه فقيل : لم / [٢٧٦ / ل] يكن متعبدا بشريعة أحد ، لئلا يكون تبعا لغيره ، وقيل : كان على ملة إبراهيم ، وقيل : موسى ، وقيل : عيسى ، وقيل : كان يتعبد بما يراه ، وهو معصوم فيه على جهة التفويض على مذهب موسى بن