عمران الأصولي كما سبق.
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤) [النحل : ١٢٤] اختلف قوم في بقاء تحريم السبت على اليهود ، وفيه قولان للعلماء :
أحدهما : هو باق ، لاعتقادهم له واعترافهم وتدينهم به ، مؤاخذة لهم بإقرارهم.
والثاني : أنه ليس بباق ، لثبوت نسخه بشريعتي المسيح ومحمد ـ عليهماالسلام ـ فلو استباحه يهودي اتجه تعزيره وتأديبه على الأول ، لانتهاكه حرمة يعتقدها لله ـ عزوجل ـ دون الثاني.
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٢٥) [النحل : ١٢٥] يحتج بها المنطقيون على صحة علمهم ووجوب استعماله في الدعاء إلى الله ـ عزوجل ـ لإقامة الحجة وكشف الشبهة ، قالوا : لأن المنطق ليس إلا علما يتعرف فيه أحوال الأقيسة النظرية قوة وضعفا ، وصحة وفسادا ؛ ليتوصل بها إلى تحقيق الحق وإبطال الباطل ، وجملة الأقيسة المبحوث عنها في المنطق خمسة : البرهاني والإقناعي والجدلي والسوفسطائي والشعري ، والثلاثة الأول هي المعول عليها في المطالب العلمية ، فالبرهان لإدراك اليقين ، ويصلح لمن ارتاض بالحكمة ، أو كانت له فطرة جيدة يدركه بها ، والإقناع للعامة القاصرين عن رتبة البرهان ، والجدل لمن يقصد المغالبة أو المغالطة في الحق فيلقى به ليكف عاديته ، وأشير في الآية إلى هذه الثلاثة وسمي البرهان حكمة والإقناع الخطابي موعظة ، وأشار إلى الجدلي بقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٢٥) [النحل : ١٢٥].
أما السوفسطائي فتشكيك في الحقائق ، وإنما يعرف ليجتنب ، أو ليبطل إن شكك به.
والشعري تخييل يؤثر قبضا وبسطا في النفس يخدع به الناس عن أموالهم ، فلا يستعملان في غير ذلك فلم يبق إلا الثلاثة الأول المشار إليها في الآية ، وهي المقصود من علم المنطق ، وإنما قلنا : إن استعماله في الدعاء إلى الحق واجب ؛ لأنه أمر بالدعاء إليه به والأمر للوجوب ، ولأن المنطق للمعاني كالنحو للألفاظ / [١٢٢ ب / م] فبدونه لا تتحرر الحجج ، وما لم تتحرر الحجج لا يتضح الحق ؛ فلذلك قلنا : إن استعماله واجب ، وعلى المنطق