فناولها أهل بيته ، فهمّ أن يتناولها بعض الصّحابة ، فتناولها جبرئيل فقال له : كلها فإنّها تحفة من الجنّة أتحفك الله عزّ وجلّ بها وإنّها لا تصلح إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ ، فأكلنا منها ، وإنّي لأجد حلاوتها ساعتي هذه.
اليهوديّ : هذا نوح صبر في ذات الله عزّ وجل ، وأعذر قومه إذ كذّب.
لقد كان كذلك ، ومحمّد صبر في ذات الله ، وأعذر قومه إذ كذّب وشرّد ، وحصب بالحصى ، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة فأوحى الله تعالى إلى جابيل ملك الجبال أن شقّ الجبال ، وانته إلى أمر محمّد فأتاه فقال له : إنّي قد امرت لك بالطّاعة ، فإن أمرت أن اطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها ... قال عليه الصّلاة والسّلام : إنّما بعثت رحمة. ربّ اهد أمّتي فإنّهم لا يعلمون ... إنّ نوحا لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقّة القرابة ، وأظهر عليهم شفقة فقال : ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) (١) فقال الله تبارك وتعالى اسمه : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) (٢) أراد جلّ ذكره أن يسلّيه بذلك ، ومحمّد صلىاللهعليهوآله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النّقمة ولم تدركه فيهم رقّة القرابة.
اليهوديّ : إنّ نوحا دعا ربه فهطلت له السماء بماء منهمر؟
لقد كان كذلك ، وكانت دعوته دعوة غضب ، ومحمّد صلىاللهعليهوآله هطلت له السّماء بماء منهمر رحمة ، إنّه لمّا هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة ، فقالوا له : يا رسول الله ، احتبس القطر ، واصفرّ العود ، وتهافت الورق ، فرفع يده المباركة حتّى رئي بياض إبطيه ، وما ترى في السّماء سحابة ، فما برح حتّى
__________________
(١) هود : ٤٥.
(٢) هود : ٤٦.