وإنّما على ما قد بينا وأوضحنا ؛ وكذلك أيضا إذا عاود التدبير لزحل بعد وفاء الكور الأعظم ، ثم استحال ما على وجه الأرض من المواليد الثلاثة ، وطحنت الطبيعة ما تحتها ، وذلك كالطاحونة إذا أديرت على ذر وكر ، طحنت (١) ؛ فتجذب العناية الإلهية باقي فضلات أجسام الطاهرين الموحدين ، ثم تتصاعد فينعقد منها شمس وقمر وكواكب ، مثل زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ، في وقت ما ينضب ما على وجه الأرض من ماء الطوفان. ثم ترتبت الصاعدة في مواضع الأولة ، وتهبط تلك الأولة فتكون هي أهل المغارات السعيدة الثمانية والعشرون شخصا (٢) ، وتدعو إلى توحيد باريها بلا واسطة ولا إلهام ، كحال ما فعله المبدع الأول ، وعلى ذلك أبد الآبدين ، عدلا ورحمة ، لخلاص من أجاب ورجع وأناب.
رمز بذلك سيدنا حميد الدين حيث قال في راحة العقل (٣) : ولخلو الطبيعة التي هي النفس من هذا العلم الثاني قال الله تعالى (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (٤). أي لا تعلمون شيئا من الكمال الثاني الذي هو العلم الثاني الذي يتعلق بالأديان والاعتقادات التي بها تكمل النفس وتصير عقلا ، وهو يستفاد من جهة الأئمة الهداة من أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين (٥). ولما كان ذلك كذلك كان سبيل هذا العلم الثاني لا كسبيل ذلك العلم الأول ، بكون ذلك العلم الأول موجودا بكل نفس في أول وجودها من الحيوان وغيرها. إلا آحاد (٦) تمتاز وتختص لعلل موجبة تزول بعد حين فتلحق بغيرها ، فهذه الآحاد هي ما تجوهر من أثارات الصالحين في الجواهر
__________________
(١) طحنت : طحمنة في ط.
(٢) شخصا : سقطت في ج.
(٣) نقلت هذه العبارات من المشرع الثالث من السور الخامس.
(٤) سورة : ١٦ / ٧٨.
(٥) من .. أجمعين : أضافها المؤلف إلى الأصل المنقول.
(٦) إلا آحاد : الآحاد في ج.