وعلى هذا المثال فالأنفس تعمل في كل دور ، وبحسب اكتسابها وطاعتها ، وعملها واقتنائها تكون منزلتها ، فما كان أكثر قياما بالأمر والنهي ، فهي مثلا من قرناء الأعضاء الرئيسية اللطيفة التي يكون حسها (١) أكبر ، وما كان أدون فبحسبه ، فهي من وقت مفارقتها في البرزخ الذي قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (٢) الآية ، والبرزخ مجمع لها. ولما كان كل حد من حدود الله تعالى بدعوته وبعلومه وإفادته مجمعا لمن في دوره ممن يتبعه على أمره ، ويشرفه على ما جاء به ، كالرأس الذي هو مجمع الحواس والأعضاء الكثيرة ، وكالبدن الذي هو مجمع لأعضاء كثيرة هي مثل ما في الرأس ، كاليدين والرجلين ، آلات (٣) في كل منها من الأعضاء مثل ما في الآخر. وبجميعها الشخص شخص واحد. ولعل ذلك تفسير لما في الصدور ، الكتاب من بشارة من قرأ الكتاب من طريق الديانة. والآن بيّن بين إفصاحه بهذا القول ظهور المعنى وزبدة الاعتقاد المرموز به ، الخفي في جميع أوضاعه. وبدّد ذلك ولوح به كما ذكر ليلتقطه من كان أخانا حقا. وضرب الأمثال بأن جسم البشر لا يخلق دفعة واحدة ، بل عضو بعد عضو بتودده مدة وزمانه بعد أشهر وأيام حتى يكمل ويتم تهيّؤه لحدوث روح الحس ، وأن الأعضاء ليست سواء مثل القلب الذي هو أولها وأشرفها ، والرأس بما يجمع من الأعضاء الكثيرة ، والبدن الذي هو جامع الكل.
ثم بيّن أن حدود دار الدعوة منها ما يكون عاليا شريفا كاملا معصوما مثل الباب الذي هو أقربهم إلى الإمام عليهالسلام ، وذلك أنّه استجاب وارتقى رتبة الإيمان ، ثم طلع رتبة المحصور ، ثم صعد إلى فلك المطلق ، ثم فلك الدعاة ، ثم علت صورته وسمت همته إلى فلك الباب ، وهو ذلك
__________________
(١) حسها : حسبها في ج.
(٢) سورة : ٢٣ / ١٠٠.
(٣) آلات : الوات في ج.