قال مجاهد : لا ينزل حجر من أعلى (١) إلى أسفل (٢) إلّا من خشية الله ، ويشهد لما قلنا قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)) [الحشر : ٢١].
قوله عزوجل : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) : بساه (عَمَّا تَعْمَلُونَ) : وعيد وتهديد ، وقيل : بتارك عقوبة ما تعملون ، بل يجازيكم به ، قرأ ابن كثير يعملون بالياء والآخرون بالتاء.
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦))
قوله عزوجل : (أَفَتَطْمَعُونَ) : أفترجون؟ يريد محمدا وأصحابه ، (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) : يصدقكم اليهود بما تخبرونهم به؟ (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) ، يعني : التوراة ، (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) : يغيّرون ما فيها من الأحكام ، (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) : علموه [كما](٣) غيّروا صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وآية الرجم ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) : أنهم كاذبون ، هذا قول مجاهد وقتادة وعكرمة والسدي وجماعة ، وقال ابن عباس ومقاتل : نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه ، وذلك أنهم لما رجعوا بعد ما سمعوا كلام الله إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم ، وأما الصادقون منهم فأدّوا كما سمعوا ، وقالت طائفة منهم : سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا [فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا](٤) ، فهذا تحريفهم وهم يعلمون أنه الحق.
قوله عزوجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ، قال ابن عباس والحسن وقتادة : يعني : منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين ، (قالُوا آمَنَّا) : كإيمانكم ، (وَإِذا خَلا) : رجع (بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) ، كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا ، أو غيرهم من رؤساء اليهود ، لأمرهم على ذلك ، (قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) : بما قص الله عليكم في كتابكم أن محمدا حقّ وقوله صدق ، والفتاح : القاضي (١).
وقال الكسائي : بما بيّنه لكم من العلم بصفة محمد صلىاللهعليهوسلم ونعته ، وقال الواقدي (٢) : بما أنزل الله عليكم وأعطاكم ، ونظيره (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] ، أي : أنزلنا ، وقال أبو
__________________
(٥) وقع في المطبوع «القاض» وفي «ط». «القاضي» ، وفي «القاموس» : الفتح : الحكم بين خصمين ، وفاتح : قاضي.
والفتاح : الحاكم اه ملخصا من مادة ـ ف ت ح ـ وهذا يرجح ما في «ط» وأن المراد «القاضي» وانظر القرطبي عند هذه الآية ، والله أعلم.
(٦) هو محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي ، متروك الحديث لا يحتج بما ينفرد به.
__________________
(١) في المطبوع «الأعلى».
(٢) في المطبوع «الأسفل».
(٣) سقط من المطبوع وحده.
(٤) سقط من المطبوع وحده.