فعلت ، فقال أحدهما لصاحبه مثل القول الأول ، وقال صاحبه مثله ، فصليا (١) معها فمسخت شهابا. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والكلبي والسدي : إنها قالت لهما [حين سألاها عن نفسها](٢) : لن تدركاني حتى تخبراني بالذي تصعدان به إلى السماء ، فقالا باسم الله الأعظم (٣) ، قالت : فما أنتما بمدركي حتى تعلمانيه ، فقال أحدهما لصاحبه : علّمها ، فقال : إني أخاف الله [رب العالمين](٤) ، قال الآخر : فأين رحمة الله تعالى؟ فعلّماها ذلك ، فتكلّمت به وصعدت إلى السماء فمسخها الله كوكبا ، وذهب بعضهم إلى أنها هي الزهرة بعينها ، وأنكر الآخرون هذا وقالوا : إن الزهرة من الكواكب السبعة السيارة التي أقسم الله بها ، فقال : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦)) [التكوير : ١٥ ـ ١٦] ، والتي فتنت هاروت وماروت [إنما هي](٥) امرأة كانت تسمى الزهرة لجمالها ، فلما بغت مسخها الله تعالى شهابا ، قالوا : فلما أمسى هاروت وماروت بعد ما قارفا الذنب همّا بالصعود إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما ، فعلما ما حلّ بهما [من الغضب](٦) فقصدا إدريس النبيّ عليهالسلام فأخبراه بأمرهما وسألاه أن يشفع لهما إلى الله عزوجل ، وقالا له : إنا رأيناك يصعد لك من العبادة (٧) مثل ما يصعد لجميع أهل الأرض فاشفع (٨) لنا إلى ربك ، ففعل ذلك إدريس عليهالسلام فخيّرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا إذ علما أنه ينقطع فهما ببابل يعذّبان.
واختلفوا في كيفية عذابهما ، فقال عبد الله بن مسعود : هما معلّقان بشعورهما إلى قيام الساعة.
وقال عطاء بن أبي رباح : رءوسهما منصوبة تحت أجنحتهما ، وقال قتادة : كبّلا من أقدامهما إلى أصول أفخاذهما ، وقال مجاهد : جعلا في جب ملئ نارا.
قال عمر بن سعد : منكوسان يضربان بسياط الحديد.
وروي أن رجلا قصد هاروت وماروت لتعلّم السحر فوجدهما معلّقين بأرجلهما مزرقة أعينهما مسودة جلودهما ، ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا أربع أصابع ، وهما يعذّبان بالعطش ، فلما رأى ذلك هاله مكانهما ، فقال : لا إله إلّا الله فلما سمعا كلامه قالا له : من أنت؟ قال : رجل من الناس ، قالا : من أي أمة [أنت]؟ قال : من أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، قالا : أو قد بعث محمد صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم ، قالا : الحمد لله وأظهرا الاستبشار ، فقال الرجل : وبم استبشاركما؟ قال : إنه نبيّ الساعة وقد دنا انقضاء عذابنا. (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) ، أي : أحدا و (مِنْ) صلة (حَتَّى) : ينصحاه أولا ، (يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) : ابتلاء ومحنة ، (فَلا تَكْفُرْ) ، أي : فلا تتعلم السحر فتعمل به فتكفر ، وأصل الفتنة : الاختبار والامتحان ، من قولهم : فتنت الذهب والفضة ، إذا أذبتهما بالنار ليتميّز الجيّد من الرديء ، وإنما وحّد الفتنة وهما اثنان لأن الفتنة مصدر ، والمصادر لا تثنى ولا تجمع ، وقيل : إنهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر سبع مرات ، قال عطاء والسدي : فإن أبى إلا التعلم قالا له : ائت هذا الرماد فبل عليه فيخرج منه نور ساطع في (٩) السماء ، فذلك نور المعرفة ، وينزل شيء أسود شبه الدخان حتى يدخل مسامعه ، وذلك غضب الله تعالى ، قال مجاهد : إن هاروت وماروت لا يصل إليهما أحد ويختلف [فيما](١٠) بينهما شيطان في كل مسألة
__________________
(١) في المطبوع وحده «فصلبا».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الأكبر».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «العبادات».
(٨) في المطبوع «فاستشفع».
(٩) في المخطوط «إلى».
(١٠) زيد في نسخ المطبوع.