من اليهود : آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، قالوا : ما هذا الذي تدعوننا إليه بخير مما نحن عليه ، ولوددنا لو كان خيرا ، فأنزل الله تكذيبا لهم (ما يَوَدُّ) ، [أي](١) : ما يحب (٢) وما يتمنى (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، يعني اليهود ، (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) ، جرّه بالنسق على (من) (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، أي : خير ونبوّة ، و (مِنْ) ، صلة ، (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) : بنبوّته ، (مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ، والفضل ابتداء إحسان بلا علّة ، وقيل : المراد بالرحمة الإسلام والهداية ، وقيل معنى الآية : إنّ الله تعالى بعث الأنبياء من ولد إسحاق فلما بعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم من ولد إسماعيل لم يقع ذلك بودّ اليهود ومحبّتهم (٣) ، وأمّا المشركون ، فإنما لم يقع بودّهم لأنه جاء بتضليلهم (٤) وعيب آلهتهم ، [فنزلت الآية فيه](٥).
قوله عزوجل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ، وذلك أن المشركين قالوا إن محمدا يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ، ويأمر بخلاف ما يقوله ، [فما يقوله](٦) [إلّا] من تلقاء نفسه ، يقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا ، كما أخبر الله : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) [النحل : ١٠١] ، قالوا إنما أنت مفتر ، فأنزل (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ، فبيّن وجه الحكمة في النسخ بهذه الآية ، والنسخ في اللغة شيئان ، أحدهما : بمعنى التحويل والنقل ، ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحوّل من كتاب إلى كتاب ، فعلى هذا الوجه كل القرآن منسوخ ، لأنه نسخ من اللوح المحفوظ ، والثاني : يكون بمعنى الرفع ، يقال : نسخت الشمس الظلّ ، أي : ذهبت به وأبطلته ، فعلى هذا يكون بعض القرآن ناسخا وبعضه منسوخا ، وهو المراد من الآية ، وهذا على وجوه ، أحدها : أن يثبت الخط وينسخ الحكم ، مثل آية الوصية للأقارب ، وآية عدة الوفاة بالحول ، وآية التخفيف في القتال ، وآية الممتحنة ، ونحوها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) : ما نثبت خطها ونبدّل حكمها ومنها : أن يرفع تلاوتها ويبقي حكمها ، مثل آية الرجم ، ومنها أن يرفع أصلا عن المصحف وعن القلوب ، كما :
ع [٧٣] روي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن قوما من الصحابة رضي الله عنهم ، قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها إلّابسم الله الرّحمن الرّحيم ، فغدوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبروه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تلك سورة رفعت بتلاوتها وأحكامها» ، وقيل : كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة فرفع أكثرها تلاوة وحكما ، ثم من نسخ الحكم ما يرفع ويقام غيره مقامه ، كما أن القبلة نسخت من بيت المقدس إلى الكعبة ، والوصية للأقارب نسخت بالميراث ، وعدة الوفاء نسخت من الحول إلى أربعة أشهر وعشر ،
__________________
ع [٧٣] ـ ضعيف. أخرجه ابن الأنباري في «المصاحف» كما في «تفسير ابن كثير» (٤ / ١٥٤ ـ ١٥٥) ، عن أبيه ، عن نصر بن داود ، عن أبي عبيد الله ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف.
وفي إسناده عبد الله بن صالح روى مناكير كثيرة بسبب جار له كان يدس في كتبه ، وله علة ثانية : أبو أمامة هذا له رؤية ، ولم يسمع من النبي صلىاللهعليهوسلم كما في «التقريب».
__________________
(١) زيد في المطبوع وحده.
(٢) في المطبوع «ما يجب» وهو تصحيف ظاهر.
(٣) زيد في المخطوط و ـ ط ـ هاهنا «فنزلت الآية» والصواب أنه في آخر القول.
(٤) في المطبوع وحده بتفضيحهم.
(٥) في المخطوط تقدم مكان العبارة.
(٦) سقط من نسخ المطبوع.