وأعانهم على ذلك النصارى طيطوس (١) الرومي وأصحابه من أهل الروم ، قال السدي : من أجل أنهم قتلوا يحيى بن زكريا ، وقال قتادة : حملهم بغض اليهود على معاونة بختنصر البابلي المجوسي ، فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ) ، أي : أكفر [وأعتى](٢)(مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) ، يعني : بيت المقدس ومحاريبه أن يذكر (فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) ، وذلك أن بيت المقدس موضع حج النصارى ومحل زيارتهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يدخلها ، يعني بيت المقدس ، بعد عمارتها رومي إلا خائفا لو علم به قتل ، وقال قتادة ومقاتل : لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكرا (٣) لو قدر عليه لعوقب ، قال السدي : (٤) : أخيفوا بالجزية. وقيل : هذا خبر بمعنى الأمر ، أي : أجهضوهم بالجهاد حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا من القتل أو السبي ، أي : ما ينبغي ، (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) : عذاب وهوان ، قال قتادة : هو القتل للحربي والجزية للذمي ، قال مقاتل والكلبي : يفتح (٥) مدائنهم الثلاث (٦) قسطنطينية ورومية وعمّورية ، (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، وهو النار ، وقال عطاء وعبد الرحمن بن زيد : نزلت في مشركي مكة ، وأراد بالمساجد المسجد الحرام منعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبية ، [وإذا منعوا من يعمره بذكره فقد سعوا في خرابه](٧) ، (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) ، يعني : أهل مكة ، يقول أفتحها عليكم حتى تدخلوها وتكونوا أولى بها منهم ، ففتحها عليهم.
ع [٧٥] وأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم مناديا ينادي : «ألا لا يحجنّ بعد هذا العام مشرك» ، فهذا خوفهم ، وثبت في الشرع أن لا يمكّن مشرك من دخول الحرم ، (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) الذلّ والهوان والقتل والسبي والنفي.
قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)
ع [٧٦] قال ابن عباس رضي الله عنهما : خرج نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة ، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة فتحرّوا القبلة وصلوا ، فلما ذهب الضباب استبان لهم
__________________
ع [٧٥] ـ أخرجه البخاري ٣٦٩ ومسلم ١٣٤٧ وغيرهما في أثناء حديث ويأتي في مطلع سورة التوبة إن شاء الله تعالى.
ع [٧٦] ـ أخرجه ابن مردويه من حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بنحوه كما في «تفسير ابن كثير» (١ / ١٦٤).
وإسناده ساقط لأجل الكلبي وورد بنحوه أخرجه الترمذي ٣٤٥ وابن ماجه ١٠٢٠ والطيالسي ١١٤٥ والدار قطني (١ / ٢٧٢) وأبو نعيم (١ / ١٧٩) والطبري (١٨٤٣) و (١٨٤٥) والبيهقي (٢ / ١١) من حديث عامر بن ربيعة وفيه أشعث بن سعيد ، وبه أعلّه الترمذي ، وتوبع عند الطيالسي ، وإنما علته عاصم بن عبيد الله ، وهو واه.
ـ وورد من حديث جابر أخرجه الدار قطني (١ / ٧٢) والحاكم (١ / ٢٠٦) والبيهقي (٢ / ١٠ و ١٢) وإسناده ضعيف لضعف أبي سهل.
ـ وورد من طرق ضعيفة تبلغ بالحديث درجة الحسن كما قال الحافظ ابن كثير (١ / ١٦٣) وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير وتفسير الشوكاني ٢١١ وكلاهما بتخريجي ، والله الموفق.
__________________
(١) في المطبوع «ططوس».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «مستنكرا».
(٤) في المطبوع وحده «سيدى» وفي المخطوط «سدي» وكلاهما خطأ.
(٥) في المطبوع «تفتح».
(٦) في المطبوع «الثلاثة».
(٧) ما بين المعقوفتين في المطبوع «وإذا منعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أن يعمره يذكر الله فقد سعوا في خرابهم».