نفوسكم ورؤية طاعتكم ، راعوا عنها يرسل سماء القدم على قلوبكم مدرار أنوار تجليها ، (وَيَزِدْكُمْ) أي : يزد قوة أرواحكم في طيرانها ، ولبساتين قدسي ورياض أنسي ، وتلك القوة من سقيي إياها شراب الديمومية من بحار السرمدية والأزلية ، ومشاهدة الذات والصفات.
قوله تعالى : (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي : غصت في بحار جلالي الأزل ، وهو شاهدي وأنا بريء مما تشيرون إليه من دونه ، بريء من حولي وقوتي ، وانظر إليكم ما بكم تقدرون في ملكه بذرة ، فاحتالوا لي جميعا إن كنتم تقدرون بالحيلة ، ولا ينظرون لا بحيلولتي ، فإني على ثقة من ربي في ثبوتي ورسالتي ، وبيان براهينه ، وعلى سلطان كبريائه دلّ كل شيء ، وهو حسبي وحسب كل صادق في بلائه ، وذلك قوله : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ) ، مشاهدته بشهوده على (رَبِّي وَرَبُّكُمْ) : ربي يربيني بأنوار مشاهدته ولطائف وصلته ، وربكم بإيجادكم وتربيتكم بأغذية الظاهر.
ثم وصف جلال قدره وإحاطته على كل ذرة بقوله : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) : آخذ ناصية كل مخلوق بأيدي القدم ، وأخرجها بجبروته من أماكن العدم ، ويجذب كل دابة من العرش إلى الثرى إلي ميادين ملكوته ، ويغذي كل واحدة منها من موائد تجلي صفاته وذاته وآياته وأفعاله للأرواح غذاء مشاهدة الذات ، وللقلوب غذاء مشاهدة الصفات ، وللعقول غذاء مشاهدة أنوار الأفعال ، وللنفوس غذاء الطبائع من عناصر الكون : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : على طريق الربوبية التي مناديها صحاري الازال والاباد ، وهكذا على طريقة كل رباني صمداني يسيروني في طريق الذي هو السير في عالم الذات والصفات ، وذلك الطريق مستقيم ؛ حيث هو تعالى بجلاله يظهر نفسه في جميع الأحوال لقلوب أوليائه ، وأولياءه يسيرون إليه بطريقة ، وجذب ظهوره.
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا |
|
كفى لمطايانا تلقاك هاديا |
(صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : إذ هو مقدّس عن اعوجاج الحدثاني وتغاير النفساني ، لا تسدّه علة ، ولا تعوجه زلة.
قال الواسطي في قوله : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) : غلب على هود عليهالسلام في ذلك الوقت حال الوصلة والقربة مما يأتي بشيء ولا أحسن به ؛ إذ هو في محل الحضور ، ومجلس القربة.