الحمد.
وقال بعضهم : رسول الخليل إذا ورد فهو بشارة ، فإذا أدّى الرسالة قد تمت به البشرى خصوصا إذا أدى من الخليل سلاما ، ألا تراه كيف ذكر : (قالُوا سَلاماً) من الخليل ، فقال : سلام من الخليل ، تم به المراد.
قال ابن عطاء في قوله : (سَلاماً) : قال : سلام سلم لك رتبة الخلة من الزلل ، قال : سلام أي : هذه السلامة التي توجب لي السلام من السلام.
قوله تعالى : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) : أخبر عن فتوته وإكرام ضيفه ، ولكن فيه ما فيه من إشارة إلى قلبه المذبوح ، وروحه المجروح ، ونفسه المبذولة بين يدي سلطان جبروته ، وأنوار ملكوته ، وسناء جماله ، وسر جلاله ، وتلك مجموعة نيران المحبة ، ولهب الشوق ، وحرقة العشق ، ليسلبها بياسمين القرب ، وورد الأنس ، ونسيم صباء الوصلة.
وأيضا : تعريف أحوال الملائكة هل جاءوا بالبأس أم ذلك من لطيف صنيع الأبناء ، وفيه إظهار المعارضة والخفية ؛ ليعرف شأن الحال ، وإن كان خلقه السخاء والكرم.
قال بعضهم : من آداب الفتوة إذا ورد الضيف أن تبدأ بالكرامة في الإنزال ، ثم ثنيه بالطعام ، ثم بالكلام.
ألا ترى الخليل كيف بدأ بالطعام بعد السلام ، قال : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) ، وهو تعجيل ما حضروا بتكلف التكلم بعد ذلك لمن أحب.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ) : أنكر على تركهم استعمال الخلق ، ولكن ما عرف شأن الحال الذي فيه إشارة عجيبة ، أي : لا تذبح عندنا عجلا فإنّا لا نحتاج إلى العجل ، وليس للعجل مكان المحبة ، ولكن اذبح لنا إسماعيل ، فإن المحبة والعشق مقتضيان قربان الوجود بين يدي المعشوق.
حكي عن أبي الحسن البوشنجي أنه قال : من دخل هذه الدويرة ، ولم يبسط معنا في كسيرة أو فيها حضر ، فقد جفاني غاية الجفاء.
وقال ابن جعفر : من امتنع عن تناول طعام الفقراء والفتيان فقد أظهر كبره.
وقيل في قوله : (نَكِرَهُمْ) : نكر أخلافهم ، مع ما تفرّس فيهم من الخير.
قوله تعالى : (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) : خيفة إبراهيم من الملائكة ليس من جهل بهم إنما رأى آثار بأس قوم لوط من شمائلهم ، وهناك متوقع الإنذار ؛ لأن ربما جاء الرسول بالإنذار :