ربك وخلافك له في كل شيء ، وما يتعلق بما ذكرنا من حقائق الإشارات قوله : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) أي : مما يتخذ الأرواح والأسرار من ثمرات نخيل القلوب ، وأعناب العقول شراب المحبة المسكرة صميمها ، وشراب الأنس المتخذ من صفاء أنوار الذكر الذي هو رزق حسن لتربية وجودها ، وذلك الشراب والسكر من تاثير مياه تجلي الجمال والجلال ، وصفاؤهما من صفو الوصال ، فإذا شربتهما صارت سكرانة من شوق الحق مستأنسة بوجه الحق سبحانه ، وفي هذه الإشارات اعتبار ومعرفة ألباء الحقيقة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
قال الأستاذ : الرزق الحسن ما كان حلالا.
ويقال : هو ما أتاك من حيث لا تحتسب ، بيّن سبحانه مواضع الحقيقة لأهل المعرفة في منازل وحيه واختصاصه مما خلق به وأكرمه بذلك بقوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) صرّح بيان الحق موضع خاصية وحيه عن النحل وأمثالها مما فيه الحياة ، فإنّه تعالى أعطى من فيض فعله ، ونور صفته ، ورحمة ذاته كل ذي روح روحا يعيش بها ، ويكون مستعدا لقبول وحيه بها ، ومنها يعرف صانعه وخالقه ، ويعرف مكان رزقه ، ويعبد الخالق بما يفعل من عبوديته وربوبيته بقدرة قوته في تلقف الإلهام منه بلا واسطة ، فهو تعالى ألهم الجمهور بنفسه ؛ لأنهم موضع أسراره لا يطّلع عليها جميع العقلاء ، وبقدر نور الإلهام يتولد منهم حقائق الأشياء الغيبية المقدّرة في علمه ، وذلك الوحي إلهام ، والإلهام على مراتب الفعل والصفات ، فمن كان مشربه من إلهام الأفعال فصنوف مواليده على قدر الأفعال ، ومن كان مشربه من إلهام الصفات ، فمواليده أصفى وأنور.
ألا ترى إلى النحل كيف يكون ثمرتها عسل لطيف شفاء كل عليل ؛ لأنّ إلهامه تختص بالصفة دون الفعل ، فأمرها بأكل الطيبات من كل ثمرات خوالص الأشجار والأنوار ، واتخاذها طيبات المساكن من الجبال والأشجار ، فعلى قدر صفاء ثمرة الأشجار ولطفها وزينتها يكون العسل ، فكل ثمرة أصفى مما تأكل منها عسله أصفى ، فأوحي الحق نحل الأرواح أن تتخذ أماكنها من جبال أنوار الذات ، وأشجار أنوار الصفات ، وأنوار عرش الأفعال ، ولا تسكن غيرها من مواضع الحدثان حتى لا تتعوّد علّاتها ، ولا يلتصق عليها غبارها.
ألا ترى إلى قوله عليهالسلام : «الأرواح في يمين الرحمن ، والقلوب بين إصبعين من أصابع