قال سهل : أي الذنوب من رجع إليه من عبيده غافرا ولهم راحما.
قال أبو عثمان : الأوب الدعاء.
قال بعضهم : الأوّاب المتبرئ من حوله وقوته ، المعتمد على الله في كل نازلة.
ثم ذكر سبحانه بعد بر الوالدين بر أقرباء المعرفة بالحقيقة بعد ما في الاية من رسوم الظواهر ، ومساكين المريدين ، وأبناء السبيل بقوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) ، حقوق هؤلاء تربيتهم في الطريقة بذكر الحقائق من المعاملات والأحوال والمعارف والكواشف والعلوم الغيبة لهم ، فذوو القربى إخوان المعرفة الذين وصلوا معالي المقامات ، والمسكين المريد الصادق الذي سكنه لطف الله عن طلب غير الله ، وابن السبيل المحب الصادق ، فحق العارف نشر الأسرار ، وحق المسكين ذكر الأنوار ، وحق المحب ذكر شمائل المحبوب ، زيادة لتمكين العارفين ، وشوق المحبين ، ورغبة المريدين.
وأيضا : ذو القربى الروح ، والمسكين العقل ، وابن السبيل القلب ، فحق الروح السماع الطيب ، والجمال الحسن والطيب والريحان ، وحق العقل الفكر والتفكر ، وحق القلب الذكر والتذكر.
وأيضا : حق الروح الفراغة ، وحق العقل الطاعة ، وحق القلب الاستئناس بالخلوة لطلب المشاهدة ، والروح ذو القربى ؛ لأنّه كان في بدء الأول في القربة والمشاهدة قبل خلق الخلق ، والمسكين العقل ؛ لأنّه فقير من إدراك حقيقة الوحدانية ، والقلب ابن السبيل ؛ لأنه ينقلب في سبيل الصفات لطلب عرفان الذات.
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))
قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) الإشارة في الحقيقة أنه تعالى أدّب حبيبه في القبض والبسط والمنع والعطاء ، أن القبض والبسط أن يكونا على وفاق الأمر في الخاطرة لا على صورة الرسوم من حيث الظاهر ، فربما يقبض من رسم وهو غير مأمور به ، وربما يبسط وهو غير مأمور به ، فالعارف الصادق خازن الله في أرضه ، يقبض ويبسط لأمره فيه ، إشارة أن العارف الصادق أحقّ ما حضر من غيره إذا كان محتاجا