ألا ترى الشارع صلىاللهعليهوسلم كيف نهى عن الصلاة وقت الاستواء ، فإما عند الزوال إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند الاحتجاب بالخلق حالة الفرق قبل الجمع ، وعند البقاء حالة الفرق بعد الجمع ، فالصلاة واجبة.
(إِلى غَسَقِ) ليل النفس ، (وَقُرْآنَ) فجر القلب ، فأول الصلاة وألطفها صلاة المواصلة والمناغاة ، وأفضلها وأشرفها صلاة الشهود للروح المشار إليها بصلاة العصر ، كما فسرت الصلاة الوسطى أي : الفضلى في قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨)) [البقرة : ٢٣٨] بها ، وأرجاها وأخفاها صلاة السر بالمناجاة أول وقت الاحتجاب بظهور القلب ؛ لسرعة انقضاء وقتها ؛ ولهذا استحب التخفيف في صلاة المغرب في القراءة وغيرها ؛ لكونها علامة لها ، وأزجر الصلاة للشيطان وأوفرها تنوير الباطن الإنسان صلاة الحضور للقلب المومأ إليها بقرآن الفجر ، فإنها في وقت تجليات أنوار الصفات ، ونزول المكاشفات ، ولهذا استحب التكثر في جماعة صلاة الصبح ، وأكد استحباب الجماعة فيها خاصة وتطويل القراءة.
وقال تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) أي : محضورا بحضور ملائكة الليل والنهار ، إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها ، وذهاب صفات النفس وزوالها ، وأشدها تثبيتا للنفس وتطويعا لها صلاة النفس للطمأنينة والثبات ؛ ولهذا سن فيما جعل آية لها من صلاة العشاء السكوت بعدها حتى النوم إلا بذكر الله ، وحيث أمكن للشيطان سبيل إلى الوسوسة استحب فيما جعل علامة لها الجهر كصلاة النفس والقلب والسر للزجر ، ولا مدخل في مقام الروح والخفاء فأمر بالإخفات.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي : خصص بعض الليل بالتهجد.
(نافِلَةً لَكَ) : زيادة على ما فرض خاصة بك ؛ لكونه علامة مقام النفس ، فيجب تخصيص بزياد الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصلاة بالنسبة إلى سائر المقامات ، فيقتدي بك السالكون من أمتك في تطويع نفوسهم ، ويقوي تمكنك في مقام الاستقامة ، كما قال : «أفلا أكون عبدا شكورا» (١).
(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) أي : في مقام يجب على الكل حمده ، وهو مقام ختم الولاية بظهور المهدي ، فإن خاتم النبوة في مقام محمود أي : الوجود الممكن.
كان فانيا في الأصل لا شيئا ثابتا ، طرأ عليه الفناء ففني ، بل الفاني فان في
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٣٨٠) ، ومسلم (٤ / ٢١٧١).