فأعلم معنيين : إثبات الكسب وسبق التقدير ، وأبهم أسرار المسببة على الكل في بيان الاستثناء بقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
قال بعضهم : لم يطلق لرسوله صلىاللهعليهوسلم أن يخبر عن الحق إلا بما أخبره الحق ، ولم يأذن له في الإخبار عن نفسه إلا عن مشيئة ربه فقال : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) ... إلخ.
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) أدبه بالتأديب الإلهي بعد ما نهاه عن المماراة والسؤال فقال : لا تقولن إلا وقت أن يشاء الله بأن يأذن لك في القول فتكون قائلا به ، وبمشيئته أولا بمشيئته على أنه حال أي : ملتبسا بمشيئته ، يعني لا تقولن لما عزمت عليه من فعل أني فاعل ذلك في الزمان المستقبل إلا ملتبسا بمشيئة الله ، قائلا : إن شاء الله أي : لا تسند الفعل إلى إرادتك بل لإرادة الله فتكون فاعلا به وبمشيئته.
ثم بيّن سبحانه أن من شاهد نفسه في مشاهدة الحق حيث طوى عليه أحكام رسوم الاكتساب من جهة الأمر ، ولم يسقط شهود نفسه وكسبه ، فقد نسى الحق بقوله سبحانه : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) فإن قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) عقيب قوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ) يدل على ذلك أي : إذا شاهدت نفسك فقد غبت مشاهدة ربك فاذكره أي : شاهده مشاهدة تغيبه في مشاهدة عن مشاهدتك نفسك.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) إذا كنت متصفا متحدا بربك حين يغلب عليك سر الأنانية ، فإذا ذكرت ربك في مقام الأنانية خرجت من حد الخداع والتلبيس الصادرين من مكر القدم ، وإذا ذكر قدمه بان عدمه وإذا بان عدمه تلاشى الحدث في القدم ، ولم يبق إلا القدم ، ويتبين أمر العبودية عند الربوبية.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) ذا غبت في مشاهدة المذكور ؛ حتى يتخلص من غمار الفناء في الوحدانية ، ويبقي ببقاء الحق ورؤية الأبدية ، فإنك إن لم تذكر ربك ، ولم ترجع من رؤية مذكورك إلى ذكره تفنى فيه ، ولا تدرك حقائق وجوده فإن السكران الفاني لا يظفر بما يظفر الصاحي المتمكن.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) من مشاهدته ، وغيب عن شهود عليك حتى فصل بالذكر إلى رؤية المذكور.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) ذكرك له فإن رؤية الذكر في رؤية المذكور نسيان المذكور بالحقيقة.
وأيضا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) الكون والحدوثية ، فإن ذكره لا يكون ذكرا