الخلق عند كونه ، وإيجاد الحق وجوده تكون منقصة في نظر العدم ، وكيف تكون ذلك القدم منزه عن المعية مع الخلق.
فإذا كان كذلك فإيش يدرك من الحدثان وأسرار صفاته مندرجة تحت أسرار ذاته ، وأسرار ذاته مخفية في أسرار صفاته للعقول بها إحاطة ، وليس للقلوب بعرفانها منزلة ، وليست الأرواح ؛ لإدراكها خطرة ، ولا للأسرار همة هي ممتنعة عنها ، يشاهدها أهل البرية التي استحقاقها من سطوة عزته وفناء.
قال أبو سعيد الخراز : لقد عجزت الخليقة عن أن تدرك بعض صفات ذاتها ، وتدري كيف كنهما في أنفسها.
قال الله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) فلم يملك الله الخلقية أن تحرى علم أنفسها في أنفسها فكيف يدرك شيئا من صفات شاهدها.
(وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤)) قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا).
قرى الحقائق لبعضهم نفوس ، ولبعضهم قلوب ولبعض عقول ، ولبعضهم أرواح ، ولبعضهم أسرار ، وللعموم صدور ، ولعموم العموم أشباح فأهل الأشباح لما لم يستعملوا الحواس ؛ بما خلق الله لها من طاعته وخدمته مسخها كقوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وأهل الصدور لما لم يراعوا أنوار الإسلام بتقديسها عن شوب النفاق خربها الله بجند الوسواس وأهل النفوس لما لم يزكوها بصفاء المجاهدة تركها في شهواتها ، وحجبها عن صفاء الذكر وأهل القلوب لما لم يراقبوا أنوار الغيوب ، ولم يدفعوا عنها الخواطر المذمومة حجبها عن رؤية ملك الاخرة وأهل العقول لما لم يستعملوها بالجولان في الأفكار ، ولطائف الأذكار حجبها عن غرائب الأنوار.
وأهل الأرواح لما لم يجيلوها في ميادين الملكوت ؛ لطلب مشاهدة الجبروت حجبها الحق بشواغل الرسوم وأهل الأسرار ، ولما لم يعرفوا حقائقها وماهيتها ؛ بأنها طروق لطائف