الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)).
وقال بعضهم : سبع حجب متصلة تحجبه عن ربه ، فالحجاب الأول : عقله ، والحجاب الثاني : علمه ، والحجاب الثالث : قلبه ، والحجاب الرابع : حسه ، والحجاب الخامس : نفسه ، والحجاب السادس : إرادته ، والحجاب السابع : مشيئته ؛ فالعقل باشتغاله بتدبير الدنيا ، والعلم لمباهاته مع الأقران ، والقلب الغفلة والحواس لإغفالها عن موارد الأمور عليها والنفس ؛ لأنها مأوى كل بلية ، والإرادة وهي إرادة الدنيا ، والإعراض عن الاخرة ، والمشيئة وهي ملازمة الذنوب.
وقال الأستاذ : فوقنا حجب ظاهرة وباطنة ؛ ففي ظاهر السماوات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية ، وعلى القلوب أغشية وغطاء كالمنية والشهوة والإرادة الشاغلة والغفلات المتراكمة ، أما المريدون إذا أظلتهم سحائب الفترة سكن هيجان إرادتهم ، فذلك من الطرائق التي علتهم ، وأما الزاهدون فإذا تحرك بهم عروق الرغبة نفد قوة زهدهم وضعف دعائم صبرهم فيترخصون بالجنوح إلى بعض التأويلات فيعود رغباتهم قليلا قليلا ، ويحيل رتبة عروقهم ، وتنهد دعائم زهدهم ، فبداية ذلك من الطرائق التي خلق فوقهم.
وأما العارفون فربما تظلهم في بعض أحايينهم وقفة في تصاعد سرّهم إلى ساحات الحقائق ؛ فيصيرون موقوفين ريثما ما يتفضل الحق سبحانه بكفاية ذلك ، فيجدون نفاذا ويرفع عنهم ما عاقهم من الطرائق في جميع هذا الحق سبحانه غير تارك للعبد ، ولا عن الحق غافل قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أنزل من سماوات القيومية مياه أنوار المعرفة بقدر قوى الأرواح القدسية ، وأسكنها في أماكن قلوب العارفين فتجرى على عرضاتها ، وتنبت أشجار الحقائق وأزهار الدقائق وياسمين المودة وورد المحبة ونرجس السعادة ، وبنفسج الكفاية بقوله : (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩)) وتنبت على سيناء العقل شجرة الإيمان التي تنبت ثمرة الإيقان التي دهنها وصبغها حقيقة التوحيد والعرفان ، قال الله تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)).
قال الأستاذ (١) : ماء هو صوب الرحمة يزيل به درن العصاة وآثار زلتهم ، وغبار
__________________
(١) انظر : تفسيره (٥ / ٢٤٧).