قال الأستاذ : النهار وقت حضور أهل الغفلة في أوطان كسبهم ، والليل وقت أرباب الوصلة بانفرادهم شهود ربهم.
قال قائلهم :
هي الشمس إلّا أنّ للشمس غيبة |
|
وهذا الذي تعنيه ليس يغيب |
وقال : الليل لأحد شخصين : إما للمحبين فوقت النجوى ، وإما للعاصين فلبث الشكوى.
ثم وصف الله من لا نصيب له مما ذكرنا من رؤية شواهد الغيب ، ولاحظ له من رؤية الايات بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) ، أي : لا يخافون فراقنا ، ولا يرجون وصالنا.
ثم ذكر علة قلة رجائهم وخوفهم بقوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) : أي : لإيثارهم يوم الفانية على حياة الباقية ، ثم ذكر سبب ذلك ؛ لأنهم غفلوا عن رؤية أنوار الصفات في مرآة الايات بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ).
قيل : لا تخافون الموقف الأعظم يوم تبلى السرائر ، وتظهر الخفايا ، (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ركنوا إلى مذموم عيشهم ، (وَاطْمَأَنُّوا بِها) نسوا مفاجات الموت ، (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) ، تقليب القلوب وعقوبات الجوارح.
ثم وصف أهل خالصته من الصادقين الذين سبقت لهم منه الحسنى في الأزل بالعناية إلى الأبد بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) : أي : الذين عاينوا الحق في عهد الأول بعيون المحبة ، وكنسوا غبار الحوادث من طريق المعرفة ، (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) بذاته إلى صفاته ، وبأنوار صفاته إلى جلال ذاته بإيمانهم ، يعني : بما سبق لهم في الأزل من هداية الله في علم الله ، ثم بيّن أنهم في جوار جماله ومعاينة لقائه ، حيث أفاض عنهم بركات شهودهم إلى أهل القربات بقوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ، هم في جنات المشاهدات تجري من تحت عيون أرواحهم أنهار المعارف وأسرار الكواشف.
قوله تعالى : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)).
تظهر عليهم بركات اقتدارهم عند إيجاد الذر بقولهم : بل فمن بركاتها لزوم الفرائض واتباع السنن وتحقيق الإيمان وتصحيح الأعمال.